الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          1027 حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن سعد بن إبراهيم عن طلحة بن عبد الله بن عوف أن ابن عباس صلى على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب فقلت له فقال إنه من السنة أو من تمام السنة قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم يختارون أن يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى وهو قول الشافعي وأحمد وإسحق وقال بعض أهل العلم لا يقرأ في الصلاة على الجنازة إنما هو ثناء على الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء للميت وهو قول الثوري وغيره من أهل الكوفة وطلحة بن عبد الله بن عوف هو ابن أخي عبد الرحمن بن عوف روى عنه الزهري

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أن ابن عباس صلى على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب فقلت له فقال إنه من السنة ، أو من تمام السنة ) شك من الراوي ، وفي رواية النسائي : فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة ، جهر حتى أسمعنا ، فلما فرغ أخذت بيده فسألته فقال سنة وحق ، وللحاكم من طريق ابن عجلان أنه سمع سعيد بن سعيد يقول : صلى ابن عباس على جنازة فجهر بالحمد ، ثم قال : إنما جهرت لتعلموا أنها سنة . قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) ، وأخرجه البخاري ، والنسائي ، وابن حبان والحاكم .

                                                                                                          قوله : ( وهو قول الشافعي ، وأحمد وإسحاق ) وقولهم هو الحق يدل عليه أحاديث الباب ( وقال بعض أهل العلم لا يقرأ في الصلاة إلخ ) ، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله ، قال محمد في موطئه : لا قراءة على الجنازة ، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله . انتهى ، واستدل لهم بحديث أبي هريرة مرفوعا : [ ص: 95 ] إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء رواه أبو داود ، وابن ماجه ، قلت هذا الاستدلال ليس بشيء ؛ فإن المراد بقوله : " فأخلصوا له الدعاء " ادعوا له بالإخلاص ، وليس فيه نفي القراءة على الجنازة . كيف ، وقد روى القاضي إسماعيل في كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي أمامة أنه قال : إن السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ بفاتحة الكتاب ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يخلص الدعاء للميت حتى يفرغ ، ولا يقرأ إلا مرة ، ثم يسلم ، وأخرجه ابن الجارود في المنتقى ، قال الحافظ : ورجاله مخرج لهم في الصحيحين ، ففي هذا الحديث أن السنة في الصلاة على الجنازة قراءة الفاتحة وإخلاص الدعاء للميت ، وكذا وقع الجمع بين القراءة وإخلاص الدعاء للميت في رواية عبد الرزاق ، وقد تقدمت هذه الرواية ، واستدل الطحاوي على ترك القراءة في التكبيرة الأولى بتركها في باقي التكبيرات ، وترك التشهد ، قلت : هذا الاستدلال أيضا ليس بشيء فإنه قياس في مقابلة النص ، وأجابوا عن أحاديث الباب بأن قراءة الفاتحة في الصلاة على الجنازة كانت على وجه الدعاء ، قال الطحاوي : ولعل قراءة من قرأ الفاتحة من الصحابة كانت على وجه الدعاء لا على وجه التلاوة . قلت : هذا ادعاء محض لا دليل عليه فهو مما لا يلتفت إليه ، قال صاحب التعليق الممجد : قد صنف حسن الشرنبلالي من متأخري أصحابنا يعني : الحنفية رسالة سماها بالنظم المستطاب بحكم القراءة في صلاة الجنازة بأم الكتاب ، ورد فيها على من ذكر الكراهة بدلائل شافية ، وهذا هو الأولى لثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه . انتهى كلام صاحب التعليق الممجد .

                                                                                                          فائدة :

                                                                                                          قال الشوكاني في النيل : ذهب الجمهور إلى أنه لا يستحب الجهر بالقراءة في صلاة الجنازة ، وتمسكوا بقول ابن عباس : لم أقرأ- أي : جهرا- إلا لتعلموا أنه سنة ، وبقوله في حديث أبي أمامة : سرا في نفسه . انتهى كلام الشوكاني ، قلت : وقع في حديث أبي أمامة عند النسائي السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ بأم القرآن مخافتة ، وقد تقدم هذا الحديث آنفا ، وأما لفظ " سرا في نفسه " فقد وقع عند الشافعي فأخرج في مسنده : أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري أخبرني أبو أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرا في نفسه ، الحديث ، وأما قول ابن عباس الذي ذكره الشوكاني فأخرجه الحاكم من طريق شرحبيل بن سعد عن ابن عباس أنه صلى على جنازة بالأبواء فكبر ، ثم قرأ الفاتحة رافعا صوته ، ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : اللهم عبدك ، وابن [ ص: 96 ] عبدك ، الحديث ، وفي آخره ، ثم انصرف فقال : يا أيها الناس إني لم أقرأ عليها- أي : جهرا- إلا لتعلموا أنها سنة ، قال الحافظ في الفتح : وشرحبيل مختلف في توثيقه . انتهى ، وأخرج ابن الجارود في المنتقى من طريق زيد بن طلحة التيمي قال : سمعت ابن عباس قرأ على جنازة فاتحة الكتاب وسورة وجهر بالقراءة ، وقال إنما جهرت لأعلمكم أنها سنة ، وأخرجه أيضا من طريق طلحة بن عبد الله قال : صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة فجهر حتى سمعت ، الحديث ، وقد تقدم رواية الحاكم بلفظ إنما جهرت لتعلموا أنها سنة ، قال الشوكاني : وقيل يستحب الجهر بالقراءة فيها ، واستدل على ذلك بما رواه النسائي من حديث ابن عباس فقد وقع فيه : فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة وجهر فلما فرغ قال : سنة وحق ، وقال بعض أصحاب الشافعي : إنه يجهر بالليل كالليلية . انتهى كلام الشوكاني .

                                                                                                          قلت : قول ابن عباس : إنما جهرت لتعلموا أنها سنة يدل على أن جهره كان للتعليم ، وأما قول بعض أصحاب الشافعي يجهر بالليل كالليلية فلم أقف على رواية تدل على هذا ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                          فائدة أخرى :

                                                                                                          قد وقع في رواية النسائي التي ذكرتها آنفا : فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة ، وهذا يدل على أن السنة قراءة فاتحة الكتاب وسورة معها ، قال الشوكاني : فيه مشروعية قراءة سورة مع الفاتحة في صلاة الجنازة ، ولا محيص عن المصير إلى ذلك ؛ لأنها زيادة خارجة عن مخرج صحيح . انتهى ، قلت : قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر أثر ابن عباس أنه قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب ، وقال إنها سنة ما لفظه : ورواه أبو يعلى في مسنده من حديث ابن عباس وزاد : وسورة ، قال البيهقي : ذكر السورة غير محفوظ ، وقال النووي إسناده صحيح . انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية