الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في النهي عن التبتل

                                                                                                          1082 حدثنا أبو هشام الرفاعي وزيد بن أخزم الطائي وإسحق بن إبراهيم البصري قالوا حدثنا معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التبتل قال أبو عيسى وزاد زيد بن أخزم في حديثه وقرأ قتادة ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية قال وفي الباب عن سعد وأنس بن مالك وعائشة وابن عباس قال أبو عيسى حديث سمرة حديث حسن غريب وروى الأشعث بن عبد الملك هذا الحديث عن الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ويقال كلا الحديثين صحيح [ ص: 170 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 170 ] هو في الأصل الانقطاع ، والمراد به هنا الانقطاع من النساء وترك التزوج .

                                                                                                          قوله : ( رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ) أي : لم يأذن له حين استأذنه ، بل نهاه عنه ، قال النووي : وهذا عند أصحابنا محمول على من تاقت نفسه ووجد مؤنه ( ولو أذن له لاختصينا ) أي : لجعل كل منا نفسه خصيا كي لا يحتاج إلى النساء ، قال الطيبي : كان الظاهر أن يقول : ولو أذن له لتبتلنا ، ولكنه عدل عن هذا الظاهر إلى قوله : لاختصينا ؛ لإرادة المبالغة . أي : لبالغنا في التبتل حتى يفضي بنا الاختصاء ، ولم يرد به حقيقة الاختصاء ؛ لأنه حرام ، وقيل ، بل هو على ظاهره ، وكان ذلك قبل النهي عن الاختصاء ، ويؤيده توارد استئذان جماعة من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كأبي هريرة وابن مسعود ، وغيرهما ، كذا في فتح الباري ، قال النووي : وهذا محمول على أنهم كانوا يظنون جواز الاختصاء باجتهادهم ، ولم يكن ظنهم هذا موافقا ، فإن الاختصاء في الآدمي حرام صغيرا كان ، أو كبيرا ، قال البغوي : وكذا يحرم خصاء كل حيوان لا يؤكل ، وأما المأكول فيجوز خصاؤه في صغره ويحرم في كبره . انتهى . قلت : يدل على عدم جواز خصاء البهائم مطلقا صغيرة كانت ، أو كبيرة مأكولة كانت ، أو غير مأكولة ما أخرجه البزار قال الشوكاني في النيل بإسناد صحيح من حديث ابن عباس إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صبر الروح ، وعن إخصاء البهائم نهيا شديدا ، وأخرجه أيضا البيهقي في سننه الكبرى ، ويؤيد هذا الحديث ما رواه أحمد والطحاوي بإسناد ضعيف عن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إخصاء الخيل والبهائم ، ثم قال ابن عمر : فيها نماء الخلق قال الشوكاني في النيل تحت هذا الحديث فيه دليل على تحريم خصي الحيوانات ، وقول ابن عمر : فيها نماء الخلق أي : زيادته إشارة إلى أن الخصي تنمو به الحيوانات ، ولكن ليس كل ما كان جالبا لنفع يكون حلالا ، بل لا بد من عدم المانع وإيلام الحيوان ، هاهنا مانع ؛ لأنه إيلام لم يأذن به الشارع ، بل نهى عنه . انتهى كلام الشوكاني ، وقد استدل بعض الصحابة والتابعين على عدم جواز إخصاء البهائم بقوله تعالى ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله قال الحافظ ابن كثير في تفسيره : ولآمرنهم فليغيرن خلق الله [ ص: 171 ] قال ابن عباس يعني : بذلك خصي الدواب ، وكذا روي عن ابن عمر وأنس وسعيد بن المسيب وعكرمة وأبي عياض وقتادة وأبي صالح والثوري ، وقد ورد في حديث النهي عن ذلك . انتهى ، وقيل المراد بتغيير خلق الله في هذه الآية تغيير دين الله ففي تفسير ابن كثير : وقال ابن عباس في رواية عنه ومجاهد وعكرمة وإبراهيم النخعي ، والحسن وقتادة والحكم والسدي والضحاك وعطاء الخراساني : ولآمرنهم فليغيرن خلق الله يعني : دين الله عز وجل وهذا كقوله تعالى : أقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله على قول من جعل ذلك أمرا أي : لا تبدلوا فطرة الله ودعوا الناس إلى فطرتهم . انتهى .

                                                                                                          قلت : لو تأملت وتدبرت في الآيتين ظهر لك أن المراد بتغيير خلق الله في الآية الأولى هو تغيير الصورة ، وأن المراد بتبديل خلق الله في الآية الثانية هو تبديل دين الله ، ويدل على أن المراد بتغيير خلق الله في الآية الأولى هو تغيير الصورة ما أخرجه البخاري ، ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود قال لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله الحديث ، وقد استدل من قال بجواز إخصاء البهائم بما ورد من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين موجوءين ، قالوا : لو كان إخصاء الحيوان المأكول حراما . لما ضحى بالكبش الموجوء البتة ، وفي هذا الاستدلال نظر كما لا يخفى على المتأمل ، وقد بسطت الكلام في هذه المسألة في رسالتي ( إرشاد الهائم إلى حكم إخصاء البهائم ) .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان .




                                                                                                          الخدمات العلمية