الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الشرط عند عقدة النكاح

                                                                                                          1127 حدثنا يوسف بن عيسى حدثنا وكيع حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني أبي الخير عن عقبة بن عامر الجهني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أحق الشروط أن يوفى بها ما استحللتم به الفروج حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن سعيد عن عبد الحميد بن جعفر نحوه قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب قال إذا تزوج رجل امرأة وشرط لها أن لا يخرجها من مصرها فليس له أن يخرجها وهو قول بعض أهل العلم وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحق وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال شرط الله قبل شرطها كأنه رأى للزوج أن يخرجها وإن كانت اشترطت على زوجها أن لا يخرجها وذهب بعض أهل العلم إلى هذا وهو قول سفيان الثوري وبعض أهل الكوفة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن مرثد ) بفتح الميم وسكون الراء بعدها مثلثة ( ابن عبد الله اليزني ) بفتح التحتانية ، والزاي بعدها نون ( أبي الخير ) كنية مرثد قوله : ( إن أحق الشروط أن يوفى بها ) بالتخفيف من باب الإفعال ، ويجوز التشديد من التفعيل ، وأن يوفى بها بدل من الشروط ، والمعنى أحق الشروط بالوفاء ( ما استحللتم به الفروج ) خبر إن ، قال القاضي المراد بالشروط ، هاهنا المهر ؛ لأنه المشروط في مقابلة البضع ، وقيل جميع ما تستحقه المرأة بمقتضى الزوجية من المهر والنفقة وحسن المعاشرة ، فإن الزوج التزمها بالعقد فكأنها شرطت فيه ، وقيل كل ما شرط الزوج ترغيبا للمرأة في النكاح ما لم يكن محظورا ، قال النووي : قال الشافعي : أكثر العلماء على أن هذا محمول على شرط لا ينافي مقتضى النكاح ، ويكون من مقاصده كاشتراط العشرة بالمعروف والإنفاق عليها وكسوتها وسكناها ، ومن جانب المرأة أن لا تخرج من بيته إلا بإذنه ، ولا تتصرف في متاعه إلا برضاه ، ونحو ذلك ، وأما شرط يخالف مقتضاه كشرط أن لا يقسم لها ، ولا يتسرى عليها ، ولا ينفق ، ولا يسافر بها ونحو ذلك . فلا يجب الوفاء به ، بل يكون لغوا ويصح النكاح بمهر المثل ، وقال أحمد يجب الوفاء بكل شرط ، قال الطيبي : فعلى هذا الخطاب في قوله : ( ما استحللتم ) للتغليب فيدخل فيه الرجال والنساء . [ ص: 232 ] ويدل عليه الرواية الأخرى " ما استحللتم به الفروج " كذا في المرقاة .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) أخرجه الجماعة . قوله : ( منهم عمر بن الخطاب قال : إذا تزوج الرجل امرأة وشرط لها أن لا يخرجها من مصرها فليس له أن يخرجها ) روى سعيد بن منصور من طريق إسماعيل بن عبيد الله ، وهو ابن أبي المهاجر عن عبد الرحمن بن غنيم قال : كنت مع عمر حيث تمس ركبتي ركبته . فجاءه رجل فقال : يا أمير المؤمنين تزوجت هذه وشرطت لها دارها وإني أجمع لأمري ، أو لشأني أن أنتقل إلى أرض كذا وكذا فقال : لها شرطها . فقال الرجل : هلك الرجال إذ لا تشاء امرأة أن تطلق زوجها إلا طلقت . فقال عمر : المؤمنون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم . انتهى ، وذكره البخاري في صحيحه مختصرا معلقا ، وقد اختلف عن عمر فروى ابن وهب بإسناد جيد عن عبيد بن السباق أن رجلا تزوج امرأة فشرط لها أن لا يخرجها من دارها فارتفعوا إلى عمر فوضع الشرط ، وقال : المرأة مع زوجها ، قال أبو عبيد : تضادت الروايات عن عمر في هذا ، وقد قال بالقول الأول عمرو بن العاص ، ومن التابعين طاوس وأبو الشعثاء ، وهو قول الأوزاعي ( وهو قول بعض أهل العلم ، وبه يقول الشافعي ، وأحمد وإسحاق ) قال الحافظ : والنقل في هذا عن الشافعي غريب ، بل الحديث عندهم محمول على الشروط التي لا تنافي مقتضى النكاح ، بل تكون من مقتضياته ومقاصده كاشتراط العشرة بالمعروف والإنفاق والكسوة والسكنى ، وأن لا يقصر في شيء من حقها من قسمة ونحوها ، وكشرطه عليها أن لا تخرج إلا بإذنه ، ولا تمنعه نفسها ، ولا تتصرف في متاعه إلا برضاه ونحو ذلك ، وأما شرط ينافي مقتضى النكاح كأن لم يقسم لها ، أو لا يتسرى عليها ، أو لا ينفق ، أو نحو ذلك ، فلا يجب الوفاء به ، بل إن وقع في صلب العقد لغي وصح النكاح بمهر المثل في وجه يجب المسمى ، ولا أثر للشرط ، وفي قول للشافعي يبطل النكاح ، وقال أحمد وجماعة يجب الوفاء بالشرط مطلقا ، وقد استشكل ابن دقيق العيد حمل الحديث على الشروط التي هي من مقتضيات النكاح ، وقال : تلك الأمور لا تؤثر الشروط في إيجابها . فلا تشتد الحاجة إلى تعليق الحكم باشتراطها ، وسياق الحديث يقتضي خلاف ذلك ؛ لأن لفظ " أحق الشروط " يقتضي أن يكون بعض الشروط يقتضي الوفاء بها ، وبعضها أشد اقتضاء ، والشروط التي هي من مقتضى العقد مستوية في وجوب الوفاء بها . انتهى . ( وعن علي بن أبي طالب أنه قال : شرط الله قبل شرطها [ ص: 233 ] كأنه رأى للزوج أن يخرجها ، وإن كانت اشترطت على زوجها أن لا يخرجها ، وذهب بعض أهل العلم إلى هذا ، وهو قول سفيان الثوري وبعض أهل الكوفة ) قال الحافظ : وقال الليث والثوري والجمهور بقول علي ، حتى لو كان صداق مثلها مائة مثلا فرضيت بخمسين على أن لا يخرجها فله إخراجها ، ولا يلزمه إلا المسمى ، وقالت الحنفية لها أن ترجع بما نقصته له من الصداق ، وقال الشافعي يصح النكاح ويلغى الشرط ويلزمه مهر المثل وعنه يصح وتستحق الكل ، وقال أبو عبيد والذي نأخذ به أنا نأمره بالوفاء بشرطه من غير أن يحكم عليه بذلك ، قال : وقد أجمعوا على أنها لو اشترطت عليه أن لا يطأها لم يجب الوفاء بذلك الشرط فكذلك هذا ، قاله الحافظ ، ومما يقوي حمل حديث عقبة على الندب ما في حديث عائشة في قصة بريرة : كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، والوطء والإسكان ، وغيرهما من حقوق الزوج إذا شرط عليه إسقاط شيء منها كان شرطا ليس في كتاب الله ، وأخرج الطبراني في الصغير بإسناد حسن عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب أم مبشر بنت البراء بن معرور فقالت : إني شرطت لزوجي أن لا أتزوج بعده . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن هذا لا يصلح . انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية