الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الجنب ينام قبل أن يغتسل

                                                                                                          118 حدثنا هناد حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي إسحق عن الأسود عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء حدثنا هناد حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحق نحوه قال أبو عيسى وهذا قول سعيد بن المسيب وغيره وقد روى غير واحد عن الأسود عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتوضأ قبل أن ينام وهذا أصح من حديث أبي إسحق عن الأسود وقد روى عن أبي إسحق هذا الحديث شعبة والثوري وغير واحد ويرون أن هذا غلط من أبي إسحق [ ص: 321 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 321 ] قوله : ( ثنا أبو بكر بن عياش ) بتحتانية مشددة وشين معجمة ابن سالم الأسدي الكوفي المقرئ الحناط ، مشهور بكنيته والأصح أنه اسمه ، وقيل اسمه محمد ، وقيل غير ذلك ، ثقة عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه ، وكتابه صحيح وروايته في مقدمة مسلم كذا في التقريب ، وقال في مقدمة فتح الباري : قال أحمد ثقة وربما غلط ، وقال أبو نعيم : لم يكن في شيوخنا أكثر غلطا منه ، وسئل أبو حاتم عنه وعن شريك فقال : هما في الحفظ سواء غير أن أبا بكر أصح كتابا ، وذكره ابن عدي في الكامل وقال : لم أجد له حديثا منكرا من رواية الثقات عنه ، وقال ابن حبان : كان يحيى القطان وعلي بن المديني يسيئان الرأي فيه وذلك أنه لما كبر ساء حفظه فكان يهم ، وقال ابن سعد كان ثقة صدوقا عالما بالحديث إلا أنه كثير الغلط ، وقال العجلي : كان ثقة صاحب سنة وكان يخطئ بعض الخطأ ، وقال يعقوب بن شيبة : كان له فقه وعلم ورواية وفي حديثه اضطراب . قلت : لم يرو له مسلم إلا شيئا في مقدمة صحيحه ، وروى له البخاري أحاديث . قلت : ثم ذكر الحافظ أحاديث أكثرها بمتابعة غيره .

                                                                                                          قوله : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس الماء ) فيه دليل على أن الجنب يجوز له أن ينام قبل أن يغتسل وقبل أن يتوضأ لكن الحديث فيه مقال كما ستقف ، والحديث أخرجه أيضا أبو داود وغيره .

                                                                                                          قوله : ( وقد روى غير واحد عن الأسود عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتوضأ قبل أن [ ص: 322 ] ينام ) يعني أن غير واحد رووا عن الأسود عن عائشة هذا اللفظ ، وخالفهم أبو إسحاق فروى عن الأسود عن عائشة بلفظ كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء .

                                                                                                          ( ويرون أن هذا غلط من أبي إسحاق ) قال ابن العربي في العارضة : تفسير غلط أبي إسحاق هو أن هذا الحديث الذي رواه أبو إسحاق هاهنا مختصرا اقتطعه من حديث طويل فأخطأ في اختصاره إياه ، ونص الحديث الطويل ما رواه أبو غسان حدثنا زهير بن حرب حدثنا أبو إسحاق قال : أتيت الأسود بن يزيد وكان لي أخا وصديقا ، فقلت : يا أبا عمرو حدثني ما حدثتك عائشة أم المؤمنين عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام أول الليل ويحيي آخره ثم إن كانت له حاجة قضى حاجته ثم ينام قبل أن يمس ماء فإذا كان عند النداء الأول وثب وربما قالت قام فأفاض عليه الماء - وما قالت اغتسل وأنا أعلم ما تريد - وإن نام جنبا توضأ وضوء الرجل للصلاة . فهذا الحديث الطويل فيه " وإن نام وهو جنب توضأ وضوء الصلاة " فهذا يدلك على أن قوله " فإن كانت له حاجة قضى حاجته ثم ينام قبل أن يمس ماء " أنه يحتمل أحد وجهين : إما أن يريد بالحاجة حاجة الإنسان من البول والغائط فيقضيها ثم يستنجي ولا يمس ماء وينام ، فإن وطئ توضأ كما في آخر الحديث ، ويحتمل أن يريد بالحاجة حاجة الوطء وبقوله ثم ينام ولا يمس ماء يعني ماء الاغتسال ، ومن لم يحمل الحديث على أحد هذين الوجهين تناقض أوله وآخره فتوهمأبو إسحاق أن الحاجة هي حاجة الوطء فنقل الحديث على معنى ما فهم والله أعلم . انتهى كلام ابن العربي .

                                                                                                          قلت : وقد تكلم في هذا الحديث غير واحد من الحفاظ قال أحمد : ليس بصحيح ، وقال أبو داود : هو وهم ، وقال يزيد بن هارون هو خطأ ، وقال مهنا عن أحمد بن صالح لا يحل أن يروى هذا الحديث ، وفي علل الأثرم لو لم يخالف أبا إسحاق في هذا إلا إبراهيم وحده لكفى ، قال ابن مفوز : أجمع المحدثون أنه خطأ من أبي إسحاق ، قال الحافظ : وتساهل في نقل الإجماع فقد صححه البيهقي وقال إن أبا إسحاق قد بين سماعه من الأسود في رواية زهير عنه .




                                                                                                          الخدمات العلمية