الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          1350 حدثنا الأنصاري حدثنا معن حدثنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وهكذا روى معمر وغير واحد عن الزهري مثل رواية مالك وروى بعضهم عن الزهري ولم يذكر فيه ولعقبه وروي هذا الحديث من غير وجه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العمرى جائزة لأهلها وليس فيها لعقبه وهذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند بعض أهل العلم قالوا إذا قال هي لك حياتك ولعقبك فإنها لمن أعمرها لا ترجع إلى الأول وإذا لم يقل لعقبك فهي راجعة إلى الأول إذا مات المعمر وهو قول مالك بن أنس والشافعي وروي من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العمرى جائزة لأهلها والعمل على هذا عند بعض أهل العلم قالوا إذا مات المعمر فهو لورثته وإن لم تجعل لعقبه وهو قول سفيان الثوري وأحمد وإسحق

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أيما رجل أعمر ) بصيغة المجهول ( عمرى ) قال القاري هو مفعول مطلق ( له ) متعلق بأعمر والضمير للرجل ( ولعقبه ) بكسر القاف ويجوز إسكانها مع فتح العين ومع كسرها كما في نظائره ، والعقب هم أولاد الإنسان ما تناسلوا قاله النووي ( فإنها ) أي : العمرى ( للذي يعطاها ) بصيغة المجهول ( لأنه أعطى على بناء الفاعل ، وقيل على بناء المفعول ( عطاء وقعت فيه المواريث ) والمعنى أنها صارت ملكا للمدفوع إليه ، فيكون بعد موته لوارثه كسائر أملاكه ، ولا ترجع إلى الدافع قوله : ( هذا حديث صحيح ) وأخرجه مسلم قوله : ( والعمل على هذا ) أي : على حديث جابر المذكور ( هي لك حياتك ) بالنصب أي : الدار لك مدة حياتك ( ولعقبك ) ولأولادك ( فإنها لمن أعمرها ) بصيغة المجهول ( لا ترجع إلى الأول ) أي : المعمر ( إذا مات المعمر ) أي : المعمر له ( وهو قول مالك بن أنس ، والشافعي ) وهو قول الزهري ، واحتجوا بحديث جابر المذكور فإن مفهوم الشرط الذي تضمنه " أيما " والتعليل يدل على أن من لم يعمر له كذلك لم يورث منه العمرى ، بل يرجع إلى المعطى ، وبما روى مسلم عن جابر رضي الله عنه موقوفا ، قال : إنما العمرى التي أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول : هي لك ولعقبك ، فأما إذا قال : هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها ، واعلم أن قول الشافعي هذا في القديم كما صرح به الحافظ في الفتح ، وأما قوله في الجديد فكقول الجمهور ( وروي من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : العمرى جائزة لأهلها ) أي : بدون ذكر " ولعقبه " . ( وهو قول سفيان الثوري ، وأحمد وإسحاق ) وهو قول أبي حنيفة [ ص: 485 ] رحمه الله والجمهور ، واحتجوا بما روى مسلم عن جابر مرفوعا أن العمرى ميراث لأهلها وبما روى هو عنه مرفوعا أمسكوا أموالكم عليكم لا تفسدوها فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمر حيا وميتا ولعقبه قال النووي رحمه الله : والمراد به إعلامهم أن العمرى هبة صحيحة ماضية يملكها الموهوب له ملكا تاما لا يعود إلى الواهب أبدا ، فإذا علموا ذلك فمن شاء أعمر ودخل على بصيرة ، ومن شاء ترك ؛ لأنهم كانوا يتوهمون أنها كالعارية ويرجع فيها ، وهذا دليلي للشافعي وموافقيه . انتهى ، قال الحافظ في الفتح بعد ذكر روايات العمرى المختلفة ما لفظه : فيجتمع من هذه الروايات ثلاثة أحوال :

                                                                                                          أحدها أن يقول هي لك ولعقبك ، فهذا صريح في أنها للموهوب له ولعقبه .

                                                                                                          ثانيها أن يقول هي لك ما عشت فإذا مت رجعت إلي ، فهذه عارية مؤقتة ، وهي صحيحة ، فإذا مات رجعت إلى الذي أعطى ، وقد بينت هذه والتي قبلها رواية الزهري ، وبه قال أكثر العلماء ، ورجحه جماعة من الشافعية ، والأصح عند أكثرهم : لا ترجع إلى الواهب ، واحتجوا بأنه شرط فاسد فلغي

                                                                                                          ثالثها أن يقول أعمرتكها ، ويطلق . فرواية أبي الزبير هذه ( يعني : بها ما رواه مسلم عنه عن جابر قال : جعل الأنصار يعمرون المهاجرين فقال النبي صلى الله عليه وسلم أمسكوا عليكم أموالكم ، ولا تفسدوها فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حيا وميتا ولعقبه تدل على أن حكمها حكم الأول ، وأنها لا ترجع إلى الواهب ، وهو قول الشافعي في الجديد والجمهور ، وقال في القديم : العقد باطل من أصله ، وعنه كقول مالك ، وقيل القديم عن الشافعي كالجديد ، وقد روى النسائي أن قتادة حكى أن سليمان بن هشام بن عبد الملك سأل الفقهاء عن هذه المسألة أعني صورة الإطلاق فذكر له قتادة عن الحسن ، وغيره أنها جائزة ، وذكر له حديث أبي هريرة بذلك ، قال وذكر له عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك ، قال : فقال الزهري إنما العمرى أي : الجائزة إذا أعمر له ولعقبه من بعده . فإذا لم يجعل عقبه من بعده كان للذي يجعل شرطه . قال قتادة : واحتج الزهري بأن الخلفاء لا يقضون بها . فقال عطاء : قضى بها عبد الملك بن مروان . انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية