الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في درء الحد عن المعترف إذا رجع

                                                                                                          1428 حدثنا أبو كريب حدثنا عبدة بن سليمان عن محمد بن عمرو حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال جاء ماعز الأسلمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه قد زنى فأعرض عنه ثم جاء من شقه الآخر فقال يا رسول الله إنه قد زنى فأعرض عنه ثم جاء من شقه الآخر فقال يا رسول الله إنه قد زنى فأمر به في الرابعة فأخرج إلى الحرة فرجم بالحجارة فلما وجد مس الحجارة فر يشتد حتى مر برجل معه لحي جمل فضربه به وضربه الناس حتى مات فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فر حين وجد مس الحجارة ومس الموت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلا تركتموه قال أبو عيسى هذا حديث حسن وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة وروي هذا الحديث عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا [ ص: 577 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 577 ] قوله : ( فقال إنه قد زنى ) هذا نقل بالمعنى كما لا يخفى إذ لفظه : إني قد زنيت ، والمراد أن ماعزا قد زنى ، قاله القاري . قلت : هذا هو الظاهر كما لا يخفى ( ثم جاء من الشق الآخر ) أي : بعد غيبته عن المجلس ، قاله القاري . قلت : ليس في هذا الحديث ما يدل على ذلك إلا أن عليه دليلا آخر فلينظر ( فأمر به ) أي : برجمه ( في الرابعة ) أي : في المرة الرابعة من مجالس الاعتراف ( فأخرج ) بصيغة المجهول أي : أمر بإخراجه ( إلى الحرة ) وهي بقعة ذات حجارة سود خارج المدينة ( فلما وجد مس الحجارة ) أي : ألم إصابتها ( فر ) أي : هرب ( يشتد ) بتشديد الدال أي : يسعى ، وهو حال ( حتى مر برجل معه لحي جمل ) بفتح اللام وسكون الحاء المهملة أي : عظم ذقنه ، وهو الذي ينبت عليه الأسنان ( فضربه ) أي : الرجل ( به ) أي : باللحي ( وضربه الناس ) أي : آخرون بأشياء أخرى ( ومس الموت ) عطف على مس الحجارة على سبيل البيان قال الطيبي : قوله ذلك إذا جعل إشارة إلى المذكور السابق من فراره من مس الحجارة كأن قوله إنه فر حين وجد مس الحجارة تكرارا ؛ لأنه بيان ذلك ، فيجب أن يكون ذلك مبهما ، وقد فسر بما بعده كقوله تعالى وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين ولعله كرر لزيادة البيان . انتهى . ( هلا تركتموه ) وفي رواية : هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه ، قال القاري أي : عسى أن يرجع عن فعله فيرجع الله عليه بقبول توبته ، قال ابن الملك : فيه أن المقر على نفسه بالزنا لو قال : ما زنيت ، أو كذبت ، أو رجعت سقط عنه الحد فلو رجع في أثناء إقامته عليه سقط الباقي ، وقال جمع : لا يسقط إذ لو سقط لصار ماعز مقتولا خطأ فتجب الدية على عواقل القاتلين . قلنا : إنه لم يرجع صريحا ؛ لأنه هرب ، وبالهرب لا يسقط الحد ، وتأويل قوله : هلا تركتموه أي : لينظر في أمره أهرب من ألم الحجارة ، أو رجع عن إقراره [ ص: 578 ] بالزنا ؟ قال الطيبي : فإن قلت إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم واخذهم بقتله حيث فر فهل يلزمهم قود إذا قلت لا لأنه صلى الله عليه وسلم واخذهم بشبهة عرضت تصلح أن يدفع بها الحد ، وقد عرضت لهم شبهة أيضا ، وهي إمضاء أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا جناح عليهم . انتهى ، وفي شرح السنة : فيه دليل على أن من أقر على نفسه بالزنا إذا رجع في خلال إقامة الحد فقال كذبت ، أو ما زنيت ، أو رجعت سقط ما بقي من الحد عنه ، وكذلك السارق وشارب الخمر . انتهى . قوله : ( هذا حديث حسن ) وأخرجه ابن ماجه ( وروي هذا الحديث عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله إلخ ) أخرجه الترمذي عقيب قوله هذا بقوله حدثنا بذلك الحسن ابن علي الخلال إلخ




                                                                                                          الخدمات العلمية