الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          1437 حدثنا هناد حدثنا شريك عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديا ويهودية قال وفي الباب عن ابن عمر والبراء وجابر وابن أبي أوفى وعبد الله بن الحارث بن جزء وابن عباس قال أبو عيسى حديث جابر بن سمرة حديث حسن غريب والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم قالوا إذا اختصم أهل الكتاب وترافعوا إلى حكام المسلمين حكموا بينهم بالكتاب والسنة وبأحكام المسلمين وهو قول أحمد وإسحق وقال بعضهم لا يقام عليهم الحد في الزنا والقول الأول أصح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( حدثنا شريك ) هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي صدوق يخطئ كثيرا تغير حفظه منذ ولي قضاء الكوفة . قوله : ( وفي الباب عن ابن عمر والبراء وجابر وابن أبي أوفى وعبد الله بن الحارث بن جزء وابن عباس ) أما حديث ابن عمر فقد أخرجه الترمذي في هذا الباب ولعله أشار إلى حديث آخر له في رجم أهل [ ص: 590 ] الكتاب ، وأما حديث البراء فأخرجه أحمد ، ومسلم ، وأبو داود ، وأما حديث جابر ، وهو ابن عبد الله فأخرجه أحمد ، ومسلم ، وأما حديث ابن أبي أوفى فلينظر من أخرجه ، وأما حديث عبد الله بن الحارث بن جزء فأخرجه البيهقي ، قال الحافظ في التلخيص : إسناده ضعيف ، وأما حديث ابن عباس فأخرجه الحاكم . قوله : ( حديث جابر بن سمرة حديث حسن غريب من حديث جابر بن سمرة ) أشار بقوله من حديث جابر بن سمرة إلى وجه الغرابة فلا تكرار في العبارة فتفكر .

                                                                                                          قوله : ( والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم قالوا : إذا اختصم أهل الكتاب إلخ ) وحجتهم أحاديث الباب ( وقال بعضهم لا يقام عليهم الحد في الزنا ) قال ابن الهمام والشافعي : يخالفنا في اشتراط الإسلام في الإحصان ، وكذا أبو يوسف في رواية ، وبه قال أحمد ، وقول مالك كقولنا فلو زنى الذمي الثيب الحر يجلد عندنا ويرجم عندهم لهذا الحديث يعني : لحديث ابن عمر المتفق عليه ، كذا في المرقاة ، قال الحافظ في التلخيص : تمسك الحنفية في أن الإسلام شرط في الإحصان بحديث روي عن ابن عمر مرفوعا وموقوفا من أشرك بالله فليس بمحصن ورجح الدارقطني ، وغيره الوقف ، وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده على الوجهين ، ومنهم من أول الإحصان في هذا الحديث بإحصان القذف . انتهى ، وأجاب الحنفية عن أحاديث الباب بأنه صلى الله عليه وسلم إنما رجمهما بحكم التوراة فإنه سألهم عن ذلك أولا ، وأن ذلك إنما كان عندما قدم المدينة ، ثم نزلت آية حد الزنا ، وليس فيها اشتراط الإسلام ، ثم نزل حكم الإسلام ؛ فالرجم باشتراط الإحصان ، وإن كان غير متلو ، علم ذلك من قوله عليه الصلاة والسلام : من أشرك بالله فليس بمحصن ذكر هذا الجواب صاحب الهداية ، وغيره ، ولا يخفى ما فيه من التعسف ، ولذا لم يرض به ابن الهمام حيث قال : واعلم أن الأسهل مما أن يدعي أن يقال حين رجمهما : كان الرجم ثبتت مشروعيته في الإسلام ، وهو الظاهر من قوله عليه الصلاة والسلام : " ما تجدون في التوراة في شأن الرجم " ؟ ثم الظاهر كون اشتراط الإسلام لم يكن ثابتا وإلا لم يرجمهم لانتساخ شريعتهم ، وإنما كان يحكم بما نزل الله عليه ، وإنما سألهم عن الرجم ليبكتهم بتركهم ما أنزل عليهم فحكم برجمهما بشرعه الموافق لشرعهم ، وإذا لزم كون الرجم كان ثابتا في شرعنا حال رجمهم بلا اشتراط الإسلام ، وقد ثبت الحديث المذكور المقيد لاشتراط الإسلام ، وليس تاريخ يعرف به . أما تقدم اشتراط الإسلام على عدم اشتراطه ، أو تأخره [ ص: 591 ] فيكون رجمه اليهوديين وقوله المذكور متعارضين . فيطلب الترجيح ، والقول مقدم على الفعل . انتهى . قلت : قد تقدم آنفا في كلام الحافظ أن الدارقطني وغيره قد رجحوا وقف الحديث المذكور ، وقال الدارقطني في سننه : الصواب أنه موقوف . قوله : ( والقول الأول أصح ) ؛ لأنه يدل عليه أحاديث الباب ، وأما القول الثاني فمداره على أن الإسلام شرط في الإحصان ، واستدلوا عليه بحديث ابن عمر المذكور ، وقد عرفت أن الصواب وقفه ، والله تعالى أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية