الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          1443 حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال سمعت قتادة يحدث عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتي برجل قد شرب الخمر فضربه بجريدتين نحو الأربعين وفعله أبو بكر فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف كأخف الحدود ثمانين فأمر به عمر قال أبو عيسى حديث أنس حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن حد السكران ثمانون

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( بجريدتين ) الجريدة : سعفة النخل سميت بها لكونها مجردة عن الخوص ، وهو ورق النخل ( نحو الأربعين ) وفي رواية الشيخين : أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بالجريد والنعال وجلد أبو بكر أربعين ، وفي رواية : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضرب في الخمر بالنعال والجريد أربعين ، كذا في المشكاة ( فقال عبد الرحمن بن عوف كأخف الحدود ثمانين ) أي : أرى أن تجعل ثمانين كأخف الحدود كما في رواية مسلم ، وروى مالك في الموطإ عن ثور بن زيد الديلمي قال : إن عمر استشار في حد الخمر فقال له علي : أرى أن تجلده ثمانين جلدة ؛ فإنه إذا شرب سكر ، فإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، فجلد عمر في حد الخمر ثمانين ، قال ابن الهمام : ولا مانع من كون كل من علي وعبد الرحمن بن عوف أشار بذلك فروي الحديث مقتصرا على هذا مرة وعلى هذا أخرى . قوله : ( حديث أنس حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد ، ومسلم ، وأبو داود .

                                                                                                          قوله : ( والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وغيرهم أن حد السكران ثمانون ) قال القاري في المرقاة : وأجمع عليه الصحابة فلا يجوز لأحد المخالفة . انتهى ، وقال الشوكاني في النيل : قد ذهبت العترة ، ومالك والليث وأبو حنيفة ، وأصحابه والشافعي في قول له إلى أن حد السكران ثمانون جلدة ، وذهب أحمد وداود وأبو ثور والشافعي في المشهور عنه إلى أنه أربعون ؛ لأنها هي التي كانت في زمنه صلى الله عليه وسلم وزمن أبي بكر وفعلها علي في زمن عثمان ، واستدل الأولون بأن عمر جلد [ ص: 599 ] ثمانين بعدما استشار الصحابة ، قال ودعوى إجماع الصحابة غير مسلمة ؛ فإن اختلافهم في ذلك قبل إمارة عمر وبعدها وردت به الروايات الصحيحة ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الاقتصار على مقدار معين ، بل جلد تارة بالجريد وتارة بالنعال وتارة بهما فقط وتارة بهما مع الثياب وتارة بالأيدي والنعال ، والمنقول من المقادير في ذلك إنما هو بطريق التخمين ، ولهذا قال أنس نحو أربعين . فالأولى الاقتصار على ما ورد عن الشارع من الأفعال وتكون جميعها جائزة فأيها وقع فقد حصل به الجلد المشروع الذي أرشدنا إليه صلى الله عليه وسلم بالفعل والقول كما في حديث : ( من شرب الخمر فاجلدوه ) . فالجلد المأمور به هو الجلد الذي وقع منه صلى الله عليه وسلم ، ومن الصحابة بين يديه ، ولا دليل يقتضي تحتم مقدار معين لا يجوز غيره . انتهى . قلت : قد وقع في بعض الروايات أربعين بالجزم كما عرفت .




                                                                                                          الخدمات العلمية