الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء من شرب الخمر فاجلدوه ومن عاد في الرابعة فاقتلوه

                                                                                                          1444 حدثنا أبو كريب حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن معاوية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد في الرابعة فاقتلوه قال وفي الباب عن أبي هريرة والشريد وشرحبيل بن أوس وجرير وأبي الرمد البلوي وعبد الله بن عمرو قال أبو عيسى حديث معاوية هكذا روى الثوري أيضا عن عاصم عن أبي صالح عن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى ابن جريج ومعمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سمعت محمدا يقول حديث أبي صالح عن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا أصح من حديث أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كان هذا في أول الأمر ثم نسخ بعد هكذا روى محمد بن إسحق عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد في الرابعة فاقتلوه قال ثم أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك برجل قد شرب الخمر في الرابعة فضربه ولم يقتله وكذلك روى الزهري عن قبيصة بن ذؤيب عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا قال فرفع القتل وكانت رخصة والعمل على هذا الحديث عند عامة أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافا في ذلك في القديم والحديث ومما يقوي هذا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أوجه كثيرة أنه قال لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن عاصم ) هو ابن بهدلة ، وهو ابن أبي النجود الكوفي المقري ، صدوق له أوهام حجة في القراءة ( فإن عاد في الرابعة فاقتلوه ) قال القاري : المراد الضرب الشديد ، أو الأمر للوعيد فإنه لم يذهب أحد قديما ، أو حديثا إلى أن شارب الخمر يقتل ، وقيل كان ذلك في ابتداء الإسلام ، ثم نسخ . انتهى . قلت : إلى هذا القول الأخير ذهب الترمذي واختاره ، وأما قول القاري بأنه لم يذهب أحد إلخ ، ففيه نظر فإنه قد ذهب إليه شرذمة قليلة كما نقله القاري نفسه عن القاضي عياض .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن أبي هريرة والشريد والشرحبيل بن أوس وجرير وأبي الرمد البلوي وعبد الله بن عمرو ) ، أما حديث أبي هريرة فأخرجه الخمسة إلا الترمذي عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن سكر فاجلدوه ، ثم إن سكر فاجلدوه ، فإن عاد في الرابعة فاضربوا عنقه ، وزاد أحمد قال الزهري فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسكران في الرابعة فخلى سبيله ، كذا في المنتقى ورواه ابن حبان في صحيحه ، وقال معناه إذا استحل ولم يقبل التحريم . انتهى ، ورواه الحاكم في المستدرك ، وقال حديث صحيح على شرط مسلم ، وأما حديث الشريد فأخرجه الحاكم في المستدرك ، وأما حديث شرحبيل فأخرجه الحاكم والطبراني ، وأما حديث جرير ، وهو ابن عبد الله فأخرجه أيضا الحاكم والطبراني ، وأما [ ص: 600 ] حديث أبي الرمد البلوي فلينظر من أخرجه ، وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من شرب الخمر فاجلدوه ، فإن عاد فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن عاد فاقتلوه ) قال عبد الله : ائتوني برجل قد شرب الخمر في الرابعة فلكم علي أن أقتله ، كذا في المنتقى ، قال الشوكاني في النيل : وهو حديث منقطع . قوله : ( سمعت محمدا ) هذا قول الترمذي ، ومحمد هذا هو الإمام البخاري رحمه الله ( حديث أبي صالح عن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا أصح إلخ ) أخرجه الخمسة إلا النسائي ، وأخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وسكت عنه ، قال الذهبي في مختصره : هو صحيح ، وأخرجه النسائي في سننه الكبرى ، كذا في نصب الراية ( وإنما كان هذا ) أي : قتل شارب الخمر إذا عاد في الرابعة ( في أول الأمر ) أي : في ابتداء الإسلام ( ثم نسخ بعد ) بضم الدال أي : بعد ذلك ( هكذا روى محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم إلخ ) وصله النسائي في سننه الكبرى ورواه البزار في مسنده عن ابن إسحاق به أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالنعمان قد شرب الخمر ثلاثا فأمر بضربه فلما كان في الرابعة أمر به فجلد الحد فكان نسخا ( وكذلك روى الزهري عن قبيصة بن ذويب عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا قال فرفع القتل ، وكانت رخصة ) وصله أبو داود في سننه ، وقال المنذري : قال الإمام الشافعي رحمه الله : والقتل منسوخ بهذا الحديث ، وغيره ، وقال غيره : قد يراد الأمر بالوعيد ، ولا يراد به وقوع الفعل ، وإنما يقصد به الردع والتحذير ، وقد يحتمل أن يكون القتل في الخامسة واجبا ، ثم نسخ بحصول الإجماع من الأمة على أنه لا يقتل . هذا آخر كلامه ، وقال غيره : أجمع المسلمون على وجوب الحد في الخمر ، وأجمعوا على أنه لا يقتل إذا تكرر منه ، إلا طائفة شاذة قالت يقتل بعد حده أربع مرات للحديث ، وهو عند الكافة منسوخ هذا آخر كلامه ، وقبيصة بن ذويب ولد عام الفتح ، وقيل إنه ولد أول سنة [ ص: 601 ] من الهجرة ولم يذكر له سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعده الأئمة من التابعين ، وذكروا أنه سمع من الصحابة فإذا ثبت أن مولده في أول سنة من الهجرة أمكن أن يكون سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قيل إنه أتي به النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو غلام يدعو له ، وذكر عن الزهري أنه كان إذا ذكر قبيصة بن ذويب قال : كان من علماء هذه الأمة ، وأما أبوه ذويب بن حلحلة فله صحبة . انتهى كلام المنذري .

                                                                                                          ( والعمل على هذا عند عامة أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافا في ذلك في القديم والحديث ) وقال الترمذي في آخر الكتاب في كتاب العلل : إن هذا الحديث غير معمول به عند أهل العلم ، قال الشوكاني في النيل : وقد اختلف العلماء هل يقتل الشارب بعد الرابعة ، أو لا ؟ فذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه يقتل ونصره ابن حزم واحتج له ودفع دعوى الإجماع على عدم القتل ، وهذا هو ظاهر ما في الباب عن ابن عمرو ، وذهب الجمهور إلى أنه لا يقتل الشارب وأن القتل منسوخ . انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية