الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          218 قال مجاهد وسئل ابن عباس عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل لا يشهد جمعة ولا جماعة قال هو في النار قال حدثنا بذلك هناد حدثنا المحاربي عن ليث عن مجاهد قال ومعنى الحديث أن لا يشهد الجماعة والجمعة رغبة عنها واستخفافا بحقها وتهاونا بها [ ص: 540 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 540 ] ( ومعنى الحديث ) أي حديث أبي هريرة المذكور في الباب .

                                                                                                          ( أن لا يشهد جماعة ولا جمعة رغبة عنها ) أي إعراضا عنها ، قال الحافظ في فتح الباري : والحديث ظاهر في كون الجماعة فرض عين لأنها لو كانت سنة لم يهدد تاركها بالتحريق ، ولو كانت فرض كفاية لكانت قائمة بالرسول ومن معه وإلى القول بأنها فرض عين ذهب عطاء والأوزاعي وأحمد وجماعة من محدثي الشافعية : كأبي ثور ، وابن خزيمة ، وابن المنذر ، وابن حبان . وبالغ داود ومن تبعه فجعلها شرطا في صحة الصلاة ، وظاهر نص الشافعي أنها فرض كفاية وعليه جمهور المتقدمين من أصحابه ، وقال به كثير من الحنفية والمالكية ، والمشهور عند الباقين أنها سنة مؤكدة ، وقد أجابوا عن ظاهر حديث الباب بأجوبة ، ثم ذكر الحافظ عشرة أجوبة وقال في آخر كلامه : واجتمع من الأجوبة لمن لم يقل بالوجوب عشرة أجوبة لا توجد مجموعة في غير هذا الشرح ، انتهى . ونحن نذكر بعضا منها ، فمنها أنه يستنبط من نفس الحديث عدم الوجوب لكونه صلى الله عليه وسلم هم بالتوجه إلى المتخلفين ، فلو كانت الجماعة فرض عين ما هم بتركها إذا توجه ، وتعقب بأن الواجب يجوز تركه لما هو أوجب منه ، ومنها أن الحديث ورد مورد الزجر وحقيقته غير مرادة ، وإنما المراد المبالغة ، ويرشد إلى ذلك وعيدهم بالعقوبة التي يعاقب بها الكفار ، وقد انعقد الإجماع على منع عقوبة المسلمين بذلك ، وأجيب بأن المنع وقع بعد نسخ التعذيب بالنار وكان قبل ذلك جائزا بدليل حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري في الجهاد الدال على جواز التحريق بالنار ، ثم نسخه فحمل التهديد على حقيقته غير ممتنع ، ومنها أنه صلى الله عليه وسلم ترك تحريقهم بعد التهديد ، فلو كانت فرض عين لما تركهم ، وتعقب بأنه صلى الله عليه وسلم لا يهم إلا بما يجوز له فعله لو فعله ، وأما الترك فلا يدل على عدم الوجوب لاحتمال أن يكونوا انزجروا بذلك وتركوا التخلف الذي ذمهم بسببه ، على أنه قد جاء في بعض الطرق بيان سبب الترك وهو فيما رواه أحمد من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ : " لولا ما في البيوت من النساء والذرية لأقمت صلاة العشاء وأمرت فتياني يحرقون " الحديث .




                                                                                                          الخدمات العلمية