الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2243 حدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الإيمان يمان والكفر من قبل المشرق والسكينة لأهل الغنم والفخر والرياء في الفدادين أهل الخيل وأهل الوبر يأتي المسيح إذا جاء دبر أحد صرفت الملائكة وجهه قبل الشام وهنالك يهلك قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله ( الإيمان يمان ) هو نسبة الإيمان إلى اليمن لأن أصل يمان يمني فحذفت ياء النسب [ ص: 423 ] وعوض بالألف بدلها فلا يجتمعان ، وفي رواية للشيخين : أتاكم أهل اليمن ، هم أرق أفئدة ، وألين قلوبا ، الإيمان يمان والحكمة يمانية ، وفي أخرى لهما : أتاكم أهل اليمن أضعف قلوبا وأرق أفئدة ، الفقه يمان والحكمة يمانية ، وفي حديث أبي مسعود عند البخاري : أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده نحو اليمن فقال : الإيمان يمان هاهنا ، قال النووي في شرح مسلم : أما ما ذكر من نسبة الإيمان إلى أهل اليمن فقد صرفوه عن ظاهره من حيث إن مبدأ الإيمان من مكة ثم من المدينة حرسها الله تعالى ، فحكى أبو عبيد إمام الغريب ثم من بعده في ذلك أقوالا .

                                                                                                          أحدها : أراد بذلك مكة فإنه يقال إن مكة من تهامة وتهامة من أرض اليمن .

                                                                                                          والثاني : المراد مكة والمدينة فإنه يروى في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام وهو بتبوك ، ومكة والمدينة حينئذ بينه وبين اليمن فأشار إلى ناحية اليمن وهو يريد مكة والمدينة فقال : الإيمان يمان فنسبهما إلى اليمن لكونهما حينئذ من ناحية اليمن ، كما قالوا الركن اليماني وهو بمكة لكونه إلى ناحية اليمن .

                                                                                                          والثالث : ما ذهب إليه كثير من الناس وهو أحسنها عند أبي عبيد أن المراد بذلك الأنصار لأنهم يمانيون في الأصل فنسب الإيمان إليهم لكونهم أنصاره ، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح ، ولو جمع أبو عبيد ومن سلك سبيله طرق الحديث بألفاظه كما جمعها مسلم وغيره وتأملوها لصاروا إلى غير ما ذكروه ، ولما تركوا الظاهر ولفظوا بأن المراد اليمن وأهل اليمن على ما هو المفهوم من إطلاق ذلك إذ من ألفاظه : أتاكم أهل اليمن والأنصار من جملة المخاطبين بذلك فهم إذا غيرهم ، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : جاء أهل اليمن وإنما جاء حينئذ غير الأنصار ، ثم إنه صلى الله عليه وسلم وصفهم بما يقضي بكمال إيمانهم ورتب عليه الإيمان يمان وكان ذلك إشارة للإيمان إلى من أتاه من أهل اليمن لا إلى مكة والمدينة ، ولا مانع من إجراء الكلام على ظاهره وحمله على أهل اليمن حقيقة ; لأن من اتصف بشيء وقوي قيامه به وتأكد اضطلاعه منه نسب ذلك الشيء إليه إشعارا بتميزه به وكمال حاله فيه ، وهكذا كان حال أهل اليمن حينئذ في الإيمان ، وحال الوافدين منه في حياته صلى الله عليه وسلم وفي أعقاب موته ، كأويس القرني وأبي مسلم الخولاني وشبههما ممن سلم قلبه وقوي إيمانه فكانت نسبة الإيمان إليهم لذلك إشعارا بكمال إيمانهم من غير أن يكون في ذلك نفي له عن غيرهم ، فلا منافاة بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم : الإيمان في أهل الحجاز ثم المراد بذلك الموجودون منهم حينئذ لا كل أهل اليمن في كل زمان فإن اللفظ لا يقتضيه ، هذا هو الحق في ذلك ( والكفر من قبل المشرق ) وفي رواية للشيخين رأس الكفر قبل المشرق ، وهو بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهته ، وفي ذلك [ ص: 424 ] إشارة إلى شدة كفر المجوس لأن مملكة الفرس ومن أطاعهم من العرب كانت من جهة المشرق بالنسبة إلى المدينة وكانوا في غاية القوة والتجبر حتى مزق ملكهم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم واستمرت الفتن من قبل المشرق .

                                                                                                          ( والسكينة لأهل الغنم ) السكينة تطلق على الطمأنينة والسكون والوقار والتواضع وإنما خص أهل الغنم بذلك لأنهم غالبا دون أهل الإبل في التوسع والكثرة ، وهما من سبب الفخر والخيلاء وقيل أراد بأهل الغنم أهل اليمن لأن غالب مواشيهم الغنم بخلاف ربيعة ومضر فإنهم أصحاب إبل ، وروى ابن ماجه من حديث أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها اتخذي الغنم فإن فيها بركة .

                                                                                                          ( والفخر ) هو الافتخار وعد المآثر القديمة تعظيما ( في الفدادين ) قال النووي الصواب في الفدادين بتشديد الدال جمع فداد بدالين أولاهما مشددة وهذا قول أهل الحديث والأصمعي وجمهور أهل اللغة وهو من الفديد وهو الصوت الشديد ، فهم الذين تعلو أصواتهم في إبلهم وخيلهم وحروثهم ونحو ذلك انتهى ( أهل الخيل وأهل الوبر ) بالجر بدل أو بيان والوبر بفتح الواو الموحدة شعر الإبل ، أي ليسوا من أهل المدر ; لأن العرب تعبر عن أهل الحضر بأهل المدر ، وعن أهل البادية بأهل الوبر لأن بيوتهم غالبا خيام من الشعر ( يأتي المسيح ) أي الدجال وإنما سمي به لأن عينه الواحدة ممسوحة ( ودبر أحد ) بضم الدال الموحدة ، أي خلف أحد وهو بضمتين ، جبل معروف بينه وبين المدينة أقل من فرسخ ( قبل الشام ) أي نحوه

                                                                                                          قوله ( هذا حديث صحيح ) : وأخرجه الشيخان .




                                                                                                          الخدمات العلمية