الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2308 حدثنا هناد حدثنا يحيى بن معين حدثنا هشام بن يوسف حدثني عبد الله بن بحير أنه سمع هانئا مولى عثمان قال كان عثمان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته فقيل له تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي من هذا فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن القبر أول منزل من منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأيت منظرا قط إلا القبر أفظع منه قال هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث هشام بن يوسف [ ص: 490 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 490 ] قوله : ( أخبرنا يحيى بن معين ) بن عون الغطفاني مولاهم أبو زكريا البغدادي ، ثقة حافظ مشهور إمام الجرح والتعديل من العاشرة ( أخبرنا هشام بن يوسف ) الصنعاني أبو عبد الرحمن القاضي ثقة من التاسعة ( حدثنا عبد الله بن بحير ) بفتح الموحدة وكسر الحاء المهملة ابن ريسان بفتح الراء وسكون التحتانية بعدها مهملة ، أبو وائل القاص الصنعاني وثقه ابن معين واضطرب فيه كلام ابن حبان ( أنه سمع هانئا مولى عثمان ) كنيته أبو سعيد البربري الدمشقي ، روى عن مولاه وغيره وعنه أبو وائل عبد الله بن بحير وغيره ، قال النسائي ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات .

                                                                                                          قوله : ( بكى حتى يبل ) بضم الموحدة أي بكاؤه يعني دموعه ( لحيته ) أي يجعلها مبلولة من الدموع ( فلا تبكي ) أي من خوف النار واشتياق الجنة ( وتبكي من هذا ) أي من القبر يعني من أجل خوفه ؟ قيل إنما كان يبكي عثمان رضي الله عنه وإن كان من جملة المشهود لهم بالجنة ، أما الاحتمال أنه لا يلزم من التبشير بالجنة عدم عذاب القبر ، بل ولا عدم عذاب النار مطلقا مع احتمال أن يكون التبشير مقيدا بقيد معلوم أو مبهم ، ويمكن أن ينسى البشارة حينئذ لشدة الفظاعة ، ويمكن أن يكون خوفا من ضغطة القبر كما يدل حديث سعد رضي الله عنه على أنه لم يخلص منه كل سعيد إلا الأنبياء ذكره القاري ( إن القبر أول منزل من منازل الآخرة ) ومنها عرضة القيامة عند العرض ، ومنها الوقوف عند الميزان ، ومنها المرور على الصراط ، ومنها الجنة أو النار في بعض الروايات ، وآخر منزل من منازل الدنيا ولذا يسمى البرزخ ( فإن نجا ) أي خلص المقبور ( منه ) أي من عذاب القبر ( فما بعده ) أي من المنازل ( أيسر منه ) أي أسهل لأنه لو كان عليه ذنب لكفر بعذاب القبر ( وإن لم ينج منه ) أي لم يتخلص من عذاب القبر ولم يكفر ذنوبه به وبقي عليه شيء مما يستحق العذاب به ( فما بعده أشد منه ) لأن النار أشد العذاب والقبر حفرة من حفر النيران ( قال ) أي عثمان [ ص: 491 ] ( ما رأيت منظرا ) بفتح الميم والظاء أي موضعا ينظر إليه وعبر عن الموضع بالمنظر مبالغة لأنه إذا نفي الشيء مع لازمه ينتفي بالطريق البرهاني ( قط ) بفتح القاف وتشديد المضمومة : أي أبدا وهو لا يستعمل إلا في الماضي ( إلا والقبر أفظع منه ) من فظع الأمر ككرم اشتدت شناعته وجاوز المقدار في ذلك ، يعني أشد وأفظع وأنكر من ذلك المنظر .

                                                                                                          قيل : المستثنى جملة حالية من منظر وهو موصوف حذفت صفته ، أي ما رأيت منظرا فظيعا على حالة من أحوال الفظاعة ، إلا في حالة كون القبر أقبح منه ، فالاستثناء مفرغ .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن غريب ) قال المنذري : وزاد رزين فيه مما لم أره في شيء من نسخ الترمذي قال هانئ : وسمعت عثمان ينشد على قبر :

                                                                                                          فإن تنج من ذي عظيمة وإلا فإني لا أخالك ناجيا

                                                                                                          انتهى ، والحديث أخرجه أيضا ابن ماجه والحاكم وصححه واعترض قاله المناوي .




                                                                                                          الخدمات العلمية