الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب في التوكل على الله

                                                                                                          2344 حدثنا علي بن سعيد الكندي حدثنا ابن المبارك عن حيوة بن شريح عن بكر بن عمرو عن عبد الله بن هبيرة عن أبي تميم الجيشاني عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقتم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه وأبو تميم الجيشاني اسمه عبد الله بن مالك

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( حدثنا علي بن سعيد ) بن مسروق الكندي الكوفي صدوق من العاشرة ( عن بكر بن عمرو ) المعافري المصري إمام جامعها ، صدوق عابد من السادسة ( عن عبد الله بن هبيرة ) بضم الهاء وفتح الموحدة مصغرا ابن أسعد السبئي بفتح المهملة والموحدة ثم همزة مقصورة ، الحضرمي كنيته أبو هبيرة المصري ثقة من الثالثة ( عن أبي تميم الجيشاني ) قال في التقريب : عبد الله بن مالك بن أبي الأسحم بمهملتين أبو تميم الجيشاني بجيم وياء ساكنة بعدها معجمة مشهور بكنيته المصري ثقة مخضرم من الثالثة .

                                                                                                          قوله : ( لو أنكم كنتم توكلون ) بحذف إحدى التاءين للتخفيف أي تعتمدون ( حق توكله ) بأن تعلموا يقينا أن لا فاعل إلا الله ، وأن لا معطي ولا مانع إلا هو ثم تسعون في الطلب بوجه جميل وتوكل ( لرزقتم كما ترزق الطير ) بمثناة فوقية مضمومة أوله ( تغدو ) أي تذهب أول النهار ( خماصا ) بكسر الخاء المعجمة جمع خميص أي جياعا ( وتروح ) أي ترجع آخر النهار ( بطانا ) بكسر الموحدة جمع بطين ، وهو عظيم البطن والمراد شباعا . قال المناوي أي تغدو بكرة وهي جياع ، وتروح عشاء وهي ممتلئة الأجواف ، فالكسب ليس برازق بل الرازق هو الله تعالى ، فأشار بذلك إلى أن التوكل ليس التبطل والتعطل ، بل لا بد فيه من [ ص: 8 ] التوصل بنوع من السبب لأن الطير ترزق بالسعي والطلب ، ولهذا قال أحمد : ليس في الحديث ما يدل على ترك الكسب بل فيه ما يدل على طلب الرزق ، وإنما أراد لو توكلوا على الله في ذهابهم ومجيئهم وتصرفهم وعلموا أن الخير بيده لم ينصرفوا إلا غانمين سالمين كالطير . لكن اعتمدوا على قوتهم وكسبهم وذلك لا ينافي التوكل ، انتهى .

                                                                                                          وقال الشيخ أبو حامد : وقد يظن أن معنى التوكل ترك الكسب بالبدن وترك التدبير بالقلب والسقوط على الأرض كالخرقة الملقاة أو كلحم على وضم ، وهذا ظن الجهال ، فإن ذلك حرام في الشرع ، والشرع قد أثنى على المتوكلين فكيف ينال مقام من مقامات الدين بمحظور من محظورات الدين ، بل نكشف عن الحق فيه فنقول : إنما يظهر تأثير التوكل في حركة العبد وسعيه بعمله إلى مقاصده . وقال الإمام أبو القاسم القشيري : اعلم أن التوكل محله القلب ، وأما الحركة بالظاهر فلا تنافي التوكل بالقلب بعدما يحقق العبد أن الرزق من قبل الله تعالى ، فإن تعسر شيء فبتقديره وإن تيسر شيء فبتيسيره .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم .




                                                                                                          الخدمات العلمية