الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2445 حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عبد الصمد العمي عبد العزيز بن عبد الصمد حدثنا أبو عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله ما آنية الحوض قال والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها في ليلة مظلمة مصحية من آنية الجنة من شرب منها شربة لم يظمأ آخر ما عليه عرضه مثل طوله ما بين عمان إلى أيلة ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب وفي الباب عن حذيفة بن اليمان وعبد الله بن عمرو وأبي برزة الأسلمي وابن عمر وحارثة بن وهب والمستورد بن شداد وروي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال حوضي كما بين الكوفة إلى الحجر الأسود

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا أبو عبد الصمد العمي عبد العزيز بن عبد الصمد ) البصري ثقة [ ص: 116 ] حافظ من كبار التاسعة ( أخبرنا أبو عمران الجوني ) اسمه عبد الملك بن حبيب الأزدي أو الكندي ، مشهور بكنيته ، ثقة من الرابعة .

                                                                                                          قوله : ( ما آنية الحوض ) أي كم عددها ( في ليلة مظلمة مصحية ) أي لا غيم فيها ولا سحاب من أصحت السماء أي انكشف عنها الغيم ( لم يظمأ آخر ما عليه ) أي من الظمأ وقوله آخر بالنصب والرفع ، وهذا كما في حديث الإسراء " هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لم يعودوا آخر ما عليهم " قال العيني : قوله آخر ما عليهم بالرفع والنصب فالنصب على الظرف والرفع على تقدير ذلك آخر ما عليهم من دخوله قال صاحب المطالع : الرفع أجود ، انتهى .

                                                                                                          ( عرضه مثل طوله ) وفي حديث عبد الله بن عمر وزواياه سواء وفيه رد على من جمع بين مختلف الأحاديث في تقدير مسافة الحوض على اختلاف العرض والطول ( ما بين عمان ) قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا اللفظ وعمان بضم المهملة وتخفيف الميم بلد على ساحل البحر من جهة البحرين انتهى ( إلى أيلة ) قال الحافظ : أيلة مدينة كانت عامرة وهي بطرف بحر القلزم من طرف الشام وهي الآن خراب يمر بها الحاج من مصر فتكون شماليهم ويمر بها الحاج من غزة فتكون أمامهم ، انتهى .

                                                                                                          اعلم أنه قد اختلف في تقدير مسافة الحوض اختلافا كثيرا فوقع في حديث ثوبان من عدن إلى عمان البلقاء ، وفي حديث أبي ذر هذا : ما بين عمان إلى أيلة وفي حديث أنس كما بين أيلة وصنعاء من اليمن . قال الحافظ : بعد ذكر عدة روايات مختلفة ما لفظه ، وهذه الروايات متقاربة لأنها كلها نحو شهر أو تزيد أو تنقص ووقع في روايات أخرى التحديد بما هو دون ذلك ، فوقع في حديث عقبة بن عامر عند أحمد : كما بين أيلة إلى الجحفة . وفي حديث جابر كما بين صنعاء إلى المدينة ، وفي حديث ثوبان ما بين عدن وعمان البلقاء ، وذكر روايات أخرى ثم قال وهذه المسافات متقاربة ، وكلها ترجع إلى نحو نصف شهر أو تزيد على ذلك قليلا أو تنقص ، وأقل ما ورد في ذلك ما وقع عند مسلم في حديث ابن [ ص: 117 ] عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : إن أمامكم حوضا كما بين جرباء وأذرح . وزاد في رواية : قال عبيد الله فسألته قال قريتان بالشام بينهما مسيرة ثلاثة أيام . ثم قال وقد جمع العلماء بين هذا الاختلاف فقال عياض : هذا من اختلاف التقدير لأن ذلك لم يقع في حديث واحد فيعد اضطرابا من الرواة ، وإنما جاء في أحاديث مختلفة من غير واحد من الصحابة سمعوه في مواطن مختلفة ، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يضرب في كل منها مثلا لبعد أقطار الحوض وسعته بما يسنح من العبارة ، ويقرب ذلك للعلم ببعد ما بين البلاد النائية بعضها من بعض لا على إرادة المسافة المحققة قال فبهذا يجمع بين الألفاظ المختلفة من جهة المعنى . انتهى ملخصا ، وفيه نظر من جهة أن ضرب المثل والتقدير إنما يكون فيما يتقارب ، وأما هذا الاختلاف المتباعد الذي يزيد تارة على ثلاثين يوما وينقص إلى ثلاثة أيام فلا .

                                                                                                          قال القرطبي : ظن بعض القاصرين أن الاختلاف في قدر الحوض اضطراب وليس كذلك ثم نقل كلام عياض وزاد : وليس اختلافا بل كلها تفيد أنه كبير متسع متباعد الجوانب ، ثم قال ولعل ذكره للجهات المختلفة بحسب من حضره ممن يعرف تلك الجهة . فيخاطب كل قوم بالجهة التي يعرفونها . وأجاب النووي ما حاصله أنه أخبر أولا بالمسافة اليسيرة ثم أعلم بالمسافة الطويلة فأخبر بها كأن الله تفضل عليه باتساعه شيئا بعد شيء ، فيكون الاعتماد على ما يدل على أطولها مسافة وجمع غيره بين الاختلافين الأولين باختلاف السير البطيء ، وهو سير الأثقال والسير السريع ، وهو بسير الراكب المخف ، ويحمل رواية أقلها وهو الثلاث على سير البريد فقد عهد منهم من قطع مسافة الشهر في ثلاثة أيام ولو كان نادرا جدا ، وفي هذا الجواب عن المسافة الأخيرة نظر وهو فيما قبله مسلم وهو أولى ما يجمع به وقد تكلم الحافظ على رواية الثلاث ، وإن شئت الوقوف عليه فارجع إلى الفتح .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح غريب ) وأخرجه مسلم .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن حذيفة بن اليمان وعبد الله بن عمرو وأبي برزة الأسلمي وابن عمرو وحارثة بن وهب والمستورد بن شداد ) أما حديث حذيفة فأخرجه ابن ماجه ، وأما حديث عبد الله بن عمر فأخرجه الشيخان ، وأما حديث أبي برزة الأسلمي فأخرجه الطبراني وابن حبان في صحيحه ، كذا في الترغيب ، وأما حديث ابن عمر فأخرجه أحمد والشيخان ، وأما حديث ابن وهب وحديث المستورد بن شداد فلينظر من أخرجهما .




                                                                                                          الخدمات العلمية