الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2761 حدثنا أحمد بن منيع حدثنا عبيدة بن حميد عن يوسف بن صهيب عن حبيب بن يسار عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من لم يأخذ من شاربه فليس منا وفي الباب عن المغيرة بن شعبة قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد عن يوسف بن صهيب بهذا الإسناد نحوه

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا عبيدة ) بفتح أوله ( بن حميد ) الكوفي المعروف بالحذاء ( عن يوسف بن صهيب ) الكندي الكوفي ثقة من السادسة ( عن حبيب بن يسار ) الكندي الكوفي ، ثقة من الثالثة كذا في التقريب . وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته : روى عن زيد بن أرقم وغيره ، وعنه يوسف بن صهيب وغيره أخرج له الترمذي والنسائي حديثا واحدا في أخذ الشارب وصححه الترمذي . انتهى ( عن زيد بن أرقم ) بن زيد بن قيس الأنصاري الخزرجي صحابي مشهور ، أول مشاهده الخندق وأنزل الله تصديقه في سورة المنافقين .

                                                                                                          قوله : ( من لم يأخذ من شاربه فليس منا ) أي فليس من العاملين بسنتنا ، وهذان الحديثان [ ص: 35 ] يدلان على جواز قص الشارب ، واختلف الناس في حد ما يقص منه وقد ذهب كثير من السلف إلى استئصاله وحلقه لظاهر قوله : " احفوا وانهكوا " ، وهو قول الكوفيين ، وذهب كثير منهم إلى منع الحلق والاستئصال وإليه ذهب مالك وكان يرى تأديب من حلقه . وروى عنه ابن القاسم أنه قال : إحفاء الشارب مثلة . قال النووي : المختار أنه يقص حتى يبدو طرف الشفة . ولا يحفيه من أصله ، قال : وأما رواية احفوا الشوارب فمعناها احفوا ما طال عن الشفتين ، وكذلك قال مالك في الموطأ : يؤخذ من الشارب حتى يبدو أطراف الشفة . قال ابن القيم : وأما أبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد ، فكان مذهبهم في شعر الرأس والشوارب أن الإحفاء أفضل من التقصير ، وذكر بعض المالكية عن الشافعي : أن مذهبه كمذهب أبي حنيفة في حلق الشارب .

                                                                                                          قال الطحاوي : ولم أجد عن الشافعي شيئا منصوصا في هذا ، وأصحابه الذين رأيناهم المزني والربيع كانا يحفيان شواربهما ويدل ذلك أنهما أخذاه عن الشافعي . وروى الأثرم عن الإمام أحمد : أنه كان يحفي شاربه إحفاء شديدا ، وسمعته يسأل عن السنة في إحفاء الشارب فقال : يحف . وقال حنبل قيل لأبي عبد الله : ترى للرجل يأخذ شاربه ويحفيه أم كيف يأخذه ؟ قال إن أحفاه فلا بأس ، وإن أخذه قصا فلا بأس . وقال أبو محمد في المغني : هو مخير بين أن يحفيه وبين أن يقصه . وقد روى النووي في شرح مسلم عن بعض العلماء أنه ذهب إلى التخيير بين الأمرين الإحفاء وعدمه . وروى الطحاوي الإحفاء عن جماعة من الصحابة أبي سعيد وأبي أسيد ورافع بن خديج وسهل بن سعد وعبد الله بن عمر وجابر وأبي هريرة ، قال ابن القيم : واحتج من لم ير إحفاء الشوارب بحديث عائشة وأبي هريرة المرفوعين : عشر من الفطرة ، فذكر منها قص الشارب . وفي حديث أبي هريرة أن الفطرة خمس وذكر منها قص الشارب واحتج المحفون بأحاديث الأمر بالإحفاء وهي صحيحة وبحديث ابن عباس أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يحفي شاربه . انتهى . قال الشوكاني : والإحفاء ليس كما ذكره النووي من أن معناه احفوا ما طال عن الشفتين ، بل الإحفاء الاستئصال كما في الصحاح والقاموس والكشاف وسائر كتب اللغة . قال ورواية القص لا تنافيه لأن القص قد يكون على جهة الإحفاء وقد لا يكون ورواية الإحفاء معينة للمراد وكذلك حديث : ( من لم يأخذ من شاربه فليس منا ) . لا يعارض رواية الإحفاء لأن فيها زيادة يتعين المصير إليها ، ولو فرض التعارض من كل وجه لكانت رواية الإحفاء أرجح ; لأنها في الصحيحين . وروى الطحاوي أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخذ من شارب المغيرة على سواكه قال : وهذا لا يكون معه إحفاء ويجاب عنه بأنه محتمل ودعوى أنه لا يكون معه إحفاء ممنوعة . وهو إن صح كما ذكره لا يعارض تلك الأقوال منه ، صلى الله عليه وسلم . انتهى . وذهب الطبري إلى التخيير بين الإحفاء والقص وقال دلت السنة على الأمرين ولا تعارض ، فإن القص [ ص: 36 ] يدل على أخذ البعض والإحفاء يدل على أخذ الكل ، وكلاهما ثابت فيتخير فيما شاء . انتهى . قال الحافظ : ويرجح قول الطبري ثبوت الأمرين معا في الأحاديث المرفوعة .

                                                                                                          قلت : ما ذهب إليه الطبري هو الظاهر ، وأما قول الشوكاني : ودعوى أنه لا يكون معه إحفاء ممنوعة إلخ ، ففيه أن الظاهر هو ما قال الطحاوي من أن هذا لا يكون معه إحفاء . قال الحافظ : بعد نقل حديث المغيرة بن شعبة عن سنن أبي داود بلفظ : ضفت النبي صلى الله عليه وسلم وكان شاربي وفى فقصه على سواك ما لفظه : واختلف في المراد بقوله على سواك ; فالراجح أنه وضع سواكا عند الشفة تحت الشعر وأخذ الشعر بالمقص ، قيل المعنى قصه على أثر سواك أي بعد ما تسوك ، يؤيد الأول ما أخرجه البيهقي في هذا الحديث قال فيه : فوضع السواك تحت الشارب وقص عليه . وأخرج البزار من حديث عائشة : أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبصر رجلا وشاربه طويل ، فقال ائتوني بمقص وسواك ، فجعل السواك على طرفه ، ثم أخذ ما جاوزه .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن المغيرة بن شعبة ) أخرجه أبو داود والبيهقي والطحاوي .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد والنسائي والضياء .




                                                                                                          الخدمات العلمية