الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الشؤم

                                                                                                          2824 حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم وحمزة ابني عبد الله بن عمر عن أبيهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشؤم في ثلاثة في المرأة والمسكن والدابة قال أبو عيسى هذا حديث صحيح وبعض أصحاب الزهري لا يذكرون فيه عن حمزة إنما يقولون عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا روى لنا ابن أبي عمر هذا الحديث عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم وحمزة ابني عبد الله بن عمر عن أبيهما عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا سعيد بن عبد الرحمن حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ولم يذكر فيه سعيد بن عبد الرحمن عن حمزة ورواية سعيد أصح لأن علي بن المديني والحميدي رويا عن سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه وذكرا عن سفيان قال لم يرو لنا الزهري هذا الحديث إلا عن سالم عن ابن عمر وروى مالك هذا الحديث عن الزهري وقال عن سالم وحمزة ابني عبد الله بن عمر عن أبيهما وفي الباب عن سهل بن سعد وعائشة وأنس وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن كان الشؤم في شيء ففي المرأة والدابة والمسكن

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن سالم وحمزة ابني عبد الله بن عمر ) حمزة هذا هو شقيق سالم ثقة من الثالثة .

                                                                                                          [ ص: 90 ] قوله : ( الشؤم ) بضم المعجمة وسكون الهمزة وقد تسهل فتصير واوا ، قال في النهاية : الواو في الشؤم همزة ولكنها خففت فصارت واوا وغلب عليها التخفيف حتى لم ينطق بها مهموزة ولذلك أثبتناها ههنا ، والشؤم ضد اليمن ، يقال تشاءمت بالشيء وتيمنت به ( في ثلاثة ) أي في ثلاثة أشياء ( في المرأة والمسكن والدابة ) بدل بإعادة الجار . قال النووي في شرح مسلم : اختلف العلماء في هذا الحديث فقال مالك وطائفة : هو على ظاهره ، وأن الدار قد يجعل الله تعالى سكناها سببا للضرر أو الهلاك ، وكذا اتخاذ المرأة المعينة أو الفرس أو الخادم قد يحصل الهلاك عنده بقضاء الله تعالى ، ومعناه قد يحصل الشؤم في هذه الثلاثة ، كما صرح به في رواية : " إن يكن الشؤم في شيء " . وقال الخطابي وكثيرون : هو في معنى الاستثناء من الطيرة ؛ أي الطيرة منهي عنها إلا أن يكون له دار يكره سكناها ، أو امرأة يكره صحبتها ، أو فرس أو خادم فليفارق الجميع بالبيع ونحوه وطلاق المرأة . وقال آخرون : شؤم الدار : ضيقها وسوء جيرانها وأذاهم ، وشؤم المرأة : عدم ولادتها وسلاطة لسانها وتعرضها للريب ، وشؤم الفرس : أن لا يغزى عليها ، وقيل حرانها وغلاء ثمنها ، وشؤم الخادم : سوء خلقه وقلة تعهده لما فوض إليه . وقيل المراد بالشؤم ههنا عدم الموافقة واعترض بعض الملاحدة بحديث : " لا طيرة " على هذا ، فأجاب ابن قتيبة وغيره : بأن هذا مخصوص من حديث : ( لا طيرة ) أي لا طيرة إلا في هذه الثلاثة .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان . ( ورواية سعيد أصح ) أي رواية سعيد عن سفيان بدون ذكر حمزة أصح من رواية ابن أبي عمر عن سفيان بذكر حمزة مع سالم ( لأن علي بن المديني والحميدي رويا عن سفيان ولم يرو لنا الزهري هذا الحديث إلا عن سالم عن ابن [ ص: 91 ] عمر ) يعني أن علي بن المديني والحميدي رويا عن سفيان أنه قال لم يرو لنا الزهري هذا الحديث إلا عن سالم عن ابن عمر . قال الحافظ في الفتح : ونقل الترمذي عن ابن المديني والحميدي أن سفيان كان يقول : لم يرو الزهري هذا الحديث إلا عن سالم . انتهى ، وكذا قال أحمد عن سفيان إنما تحفظه عن سالم . قال الحافظ لكن هذا الحصر مردود ، فقد حدث به مالك عن الزهري عن سالم وحمزة ابني عبد الله بن عمر عن أبيهما ، ومالك من كبار الحفاظ ولا سيما في حديث الزهري ، وكذا رواه ابن أبي عمر عن سفيان نفسه ، أخرجه مسلم والترمذي عنه وهو يقتضي رجوع سفيان عما سبق من الحصر ، وأما الترمذي فجعل رواية ابن أبي عمر هذه مرجوحة ، وقد تابع مالكا أيضا يونس من رواية ابن وهب عنه كما سيأتي في الطب ، وصالح بن كيسان عند مسلم ، وأبو أويس عند أحمد ويحيى بن سعيد وابن أبي عتيق وموسى بن عقبة ثلاثتهم عند النسائي كلهم عن الزهري عنهما ، ورواه إسحاق بن راشد عن الزهري ، فاقتصر على حمزة . أخرجه النسائي ، وكذا أخرجه ابن خزيمة وأبو عوانة من طريق عقيل ، وأبو عوانة من طريق شبيب بن سعيد كلاهما عن الزهري ، ورواه القاسم بن مبرور عن يونس فاقتصر على حمزة . أخرجه النسائي أيضا ، وكذا أخرجه أحمد من طريق رباح بن زيد عن معمر مقتصرا على حمزة ، وأخرجه النسائي من طريق عبد الواحد عن معمر ، فاقتصر على سالم . فالظاهر أن الزهري يجمعهما تارة ويفرد أحدهما أخرى . وقد رواه إسحاق في مسنده عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري ، فقال عن سالم أو حمزة أو كلاهما وله أصل عن حمزة من غير رواية الزهري ، أخرجه مسلم من طريق عتبة بن مسلم عنه .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن سهل بن سعد وعائشة وأنس ) أما حديث سهل بن سعد فأخرجه الشيخان ، وأما حديث عائشة فأخرجه أحمد في مسنده والطبراني في الأوسط ، وأبو نعيم في الحلية ، ولفظه : ( الشؤم سوء الخلق ) ، وأما حديث أنس فأخرجه أبو داود عنه قال : قال رجل يا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنا كنا في دار كثير فيها عددنا ، وكثير فيها أموالنا ، فتحولنا إلى دار أخرى ، فقل فيها عددنا وقلت فيها أموالنا . فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ذروها ذميمة ، والحديث سكت عنه هو والمنذري ( وقد روي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال : إن كان الشؤم في شيء ففي المرأة والدابة والسكن رواه الشيخان عن ابن عمر ، وكذا عن سهل بن سعد ، ومعنى هذا الحديث إن فرض وجود الشؤم يكون في هذه [ ص: 92 ] الثلاثة والمقصود منه نفي صحة الشؤم ووجوده على وجه المبالغة فهو من قبيل قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين فلا ينافيه حينئذ عموم نفي الطيرة في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " لا عدوى ولا طيرة " .

                                                                                                          فإن قلت : فما وجه التوفيق بين هذا وبين قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " الشؤم في ثلاثة " إلخ .

                                                                                                          قلت : قد جمعوا بينهما بوجوه ، منها أن قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( الشؤم في ثلاثة ) إلخ كان في أول الأمر ثم نسخ ذلك بقوله تعالى : ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب الآية حكاه ابن عبد البر ، والنسخ لا يثبت بالاحتمال ، لا سيما مع إمكان الجمع ، ولا سيما وقد ورد في حديث ابن عمر عند البخاري نفي التطير ، ثم إثباته في الأشياء الثلاثة ولفظه : " لا عدوى ولا طيرة " والشؤم في ثلاث : في المرأة والدار والدابة " . ومنها ما قال الخطابي هو استثناء من غير الجنس معناه إبطال مذهب الجاهلية في التطير فكأنه قال : إن كانت لأحدكم دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس يكره سيره فليفارقه ، ومنها أنه ليس المراد بالشؤم في قوله : " الشؤم في ثلاثة " معناه الحقيقي بل المراد من شؤم الدار ضيقها وسوء جوارها ، ومن شؤم المرأة أن لا تلد وأن تحمل لسانها عليك ، ومن شؤم الفرس أن لا يغزى عليه ، وقيل حرانها وغلاء ثمنها ويؤيد هذا الجمع ما أخرجه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم من حديث سعد مرفوعا : من سعادة ابن آدم ثلاثة المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح ، ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة المرأة السوء والمسكن السوء والمركب السوء . وفي رواية ابن حبان : المركب الهنيء والمسكن الواسع وفي رواية للحاكم : ثلاثة من الشقاء المرأة تراها فتسوؤك وتحمل لسانها عليك . والدابة تكون قطوفا ، فإن ضربتها أتعبتك وإن تركتها لم تلحق أصحابك ، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق .




                                                                                                          الخدمات العلمية