الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2871 حدثنا إسحق بن موسى حدثنا معن حدثنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما أجلكم فيما خلا من الأمم كما بين صلاة العصر إلى مغارب الشمس وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالا فقال من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط فعملت اليهود على قيراط قيراط فقال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط فعملت النصارى على قيراط قيراط ثم أنتم تعملون من صلاة العصر إلى مغارب الشمس على قيراطين قيراطين فغضبت اليهود والنصارى وقالوا نحن أكثر عملا وأقل عطاء قال هل ظلمتكم من حقكم شيئا قالوا لا قال فإنه فضلي أوتيه من أشاء قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( إنما أجلكم ) قال الطيبي : الأجل المدة المضروبة للشيء ، قال تعالى : ولتبلغوا أجلا مسمى ويقال للمدة المضروبة لحياة الإنسان أجل فيقال دنا أجله وهو عبارة عن دنو الموت وأصله استيفاء الأجل أي مدة الحياة ، والمعنى ما أجلكم في أجل من مضى من الأمم السابقة في الطول والقصر إلا مقدار ما بين صلاة العصر إلى صلاة المغرب من الزمان ( فيما خلا من الأمم كما بين صلاة العصر إلى مغارب الشمس ) وفي رواية للبخاري : إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس قال الحافظ : ظاهره أن بقاء هذه الأمة وقع في زمان الأمم السالفة وليس ذلك المراد قطعا وإنما معناه أن نسبة مدة هذه الأمة إلى مدة من تقدم من الأمم مثل ما بين صلاة العصر وغروب الشمس إلى بقية النهار فكأنه قال إنما بقاؤكم بالنسبة إلى ما سلف إلى آخره ، وحاصله أن في بمعنى إلى وحذف المضاف وهو لفظ نسبة ( وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى ) أي مع الرب سبحانه وتعالى ( كرجل استعمل عمالا ) بضم فتشديد جمع عامل [ ص: 143 ] أي طلب منهم العمل ( فقال ) أي على طريق الاستفهام ( من يعمل لي إلى نصف النهار ) وهو من طلوع الشمس إلى زوالها ، فالمراد بالنهار العرفي لأنه عرف عمل العمال ( على قيراط قيراط ) أي نصف دانق على ما في الصحاح ، وقيل القيراط جزء من أجزاء الدينار وهو نصف عشره في أكثر البلاد والياء فيه بدل من الراء كما أنها بدل من النون في الدينار ويدل عليه جمعهما على دنانير وقراريط ، وكرر قيراط للدلالة على أن الأجر لكل واحد منهم قيراط لا أن مجموع الطائفة قيراط " ثم قال " أي الرجل المستعمل للعمال ( فغضبت اليهود والنصارى وقالوا نحن أكثر عملا وأقل عطاء ) أي قال أهل الكتاب ربنا أعطيت أمة محمد ثوابا كثيرا مع قلة أعمالهم . وأعطيتنا ثوابا قليلا مع كثرة أعمالنا ، ولعلهم يقولون ذلك يوم القيامة وقد حكى عنهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بصيغة الماضي لتحقق ذلك أو صدر عنهم مثل ذلك لما اطلعوا على فضائل هذه الأمة في كتبهم أو على ألسنة رسلهم ، وعلى كل تقدير ففي الحديث دليل على أن الثواب للأعمال ليس على قدر التعب ، ولا على جهة الاستحقاق لأن العبد لا يستحق على مولاه لخدمته أجرة بل المولى يعطيه من فضله ، وله أن يتفضل على من يشاء من العبيد على وجه المزيد . فإنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد . قال الطيبي : لعل هذا تخييل وتصوير لا أن ثمة مقاولة ومكالمة حقيقية اللهم إلا أن يحمل ذلك على حصولها عند إخراج الذر فيكون حقيقة . انتهى ، كذا في المرقاة ( فقال هل ظلمتكم ) أي هل نقصتكم ( شيئا ) مفعول به أو مطلق ( قالوا ) أي أهل الكتاب ( فإنه ) أي الشأن ( فضلي ) أي عطائي الزائد ( أوتيه من أشاء ) أو التقدير فإن العطاء الكثير المدلول عليه بالسياق فضلي .

                                                                                                          وقد استدل الحنفية بهذا الحديث لقول أبي حنيفة رحمه الله : إن أول العصر بصيرورة ظل كل شيء مثليه . وقد تقدم في باب تأخير صلاة العصر جوابهم من وجوه مفصلا .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه البخاري .

                                                                                                          [ ص: 144 ]



                                                                                                          الخدمات العلمية