الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2981 حدثنا عبد بن حميد حدثنا الهاشم بن القاسم عن المبارك بن فضالة عن الحسن عن معقل بن يسار أنه زوج أخته رجلا من المسلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت عنده ما كانت ثم طلقها تطليقة لم يراجعها حتى انقضت العدة فهويها وهويته ثم خطبها مع الخطاب فقال له يا لكع أكرمتك بها وزوجتكها فطلقتها والله لا ترجع إليك أبدا آخر ما عليك قال فعلم الله حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها فأنزل الله تبارك وتعالى وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن إلى قوله وأنتم لا تعلمون فلما سمعها معقل قال سمعا لربي وطاعة ثم دعاه فقال أزوجك وأكرمك قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقد روي من غير وجه عن الحسن وهو عن الحسن غريب وفي هذا الحديث دلالة على أنه لا يجوز النكاح بغير ولي لأن أخت معقل بن يسار كانت ثيبا فلو كان الأمر إليها دون وليها لزوجت نفسها ولم تحتج إلى وليها معقل بن يسار وإنما خاطب الله في هذه الآية الأولياء فقال لا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ففي هذه الآية دلالة على أن الأمر إلى الأولياء في التزويج مع رضاهن

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا الهاشم بن القاسم ) بن مسلم الليث مولاهم البغدادي أبو النضر مشهور بكنيته ولقبه قيصر ثقة ثبت من التاسعة ( عن الحسن ) هو البصري .

                                                                                                          قوله : ( أنه زوج أخته ) اسمها جميل بالجيم مصغرا بنت يسار وقيل اسمها ليلى وقيل فاطمة ( رجلا ) قيل هو أبو البداح بن عاصم الأنصاري ، وقيل هو عبد الله بن رواحة ( ثم طلقها تطليقة ) وفي رواية أبي داود ثم طلقها طلاقا له رجعة ( فهويها ) قال في القاموس : هويه كرضيه أحبه ( يا لكع ) بضم اللام وفتح الكاف كصرد اللئيم والعبد والأحمق ( لا ترجع إليك أبدا ) وفي رواية لا أزوجك أبدا ( آخر ما عليك ) بالرفع . أي ذلك آخر ما عليك من نكاحك إياها ، وهذا كقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " إذا خرجوا لم يعودوا آخر ما عليهم " . قال في المجمع بالرفع أي ذلك آخر ما عليهم من دخولهم ( إلى قوله إلخ ) تتمة الآية فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون [ ص: 260 ] ( فلما سمعها ) أي هذه الآية . ( قال سمع لربي وطاعة ) أي علي سمع لربي وطاعة . ( ثم دعاه فقال : أزوجك وأكرمك ) وفي رواية أبي داود قال : فكفرت عن يميني فأنكحتها إياه .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن جرير ( وفي هذا الحديث دلالة على أنه لا يجوز النكاح بغير ولي ) إلى قوله ( ففي هذه الآية دلالة على أن الأمر إلى الأولياء في التزويج مع رضاهن ) قال ابن جرير في هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة قول من قال : لا نكاح إلا بولي من العصبة ، وذلك أن الله تعالى منع الولي من عضل المرأة إن أرادت النكاح ونهاه عن ذلك . فلو كان للمرأة إنكاح نفسها بغير إنكاح وليها إياها أو كان لها تولية من أرادت توليته في إنكاحها ، لم يكن لنهي وليها عن عضلها معنى مفهوم ، إذ كان لا سبيل له إلى عضلها ، وذلك أنها إن كانت متى أرادت النكاح جاز لها إنكاح نفسها أو إنكاح من توكله إنكاحها ، فلا عضل هنالك لها من أحد فينهى عاضلها عن عضلها وفي فساد القول بأن لا معنى لنهي الله عما نهى عنه صحة القول بأن لولي المرأة في تزويجها حقا لا يصح عقده إلا به . انتهى .

                                                                                                          قلت : هذا مبني على أن الخطاب في لا تعضلوهن للأولياء واعترض عليه بأنه يلزم تفكك نظم كلام الله لو قيل وإذا طلقتم النساء أيها الأزواج فلا تعضلوهن أيها الأولياء! لأنه لا يبقى بين الشرط والجزاء نسبة .

                                                                                                          وأجيب بأن الخطاب في لا تعضلوهن . وكذا في قوله وإذا طلقتم للناس أي وإذا وقع بينكم الطلاق فلا يوجد فيما بينكم العضل لأنه إذا وجد بينهم العضل من جهة الأولياء وهم راضون كانوا في حكم العاضلين . وتمسك الحنفية بقوله تعالى : أن ينكحن أزواجهن على أن النكاح بغير ولي جائز ، وذلك أنه تعالى أضاف النكاح إليها إضافة الفعل إلى فاعله والتصرف إلى [ ص: 261 ] مباشره ، ونهى الولي عن منعها من ذلك ، ولو كان ذلك التصرف فاسدا لما نهى الولي عن منعها منه ، ويتأكد هذا النص بقوله حتى تنكح زوجا غيره .

                                                                                                          وأجيب بأن الفعل كما يضاف إلى المباشر فقد يضاف أيضا إلى السبب مثل بنى الأمير دارا . قال الرازي في تفسيره بعد ذكر هذا الجواب : وهذا وإن كان مجازا إلا أنه يجب المصير إليه لدلالة الأحاديث على بطلان هذا النكاح .




                                                                                                          الخدمات العلمية