الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2994 حدثنا عبد بن حميد أخبرنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا يزيد بن إبراهيم حدثنا ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات إلى آخر الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وروي عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن عائشة هكذا روى غير واحد هذا الحديث عن ابن أبي مليكة عن عائشة ولم يذكروا فيه عن القاسم بن محمد وإنما ذكر يزيد بن إبراهيم التستري عن القاسم في هذا الحديث وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة سمع من عائشة أيضا

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا أبو الوليد ) اسمه هشام بن عبد الملك الطيالسي ( أخبرنا يزيد بن إبراهيم ) التستري بضم المثناة الأولى وسكون المهملة وفتح المثناة الثانية ثم راء نزيل البصرة أبو سعيد ثقة ثبت إلا في روايته عن قتادة ففيها لين من كبار السابعة .

                                                                                                          قوله : ( عن هذه الآية هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات إلى آخر الآية ) بقية الآية [ ص: 272 ] هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب قال الحافظ : قيل المحكم من القرآن ما وضح معناه والمتشابه نقيضه ، وسمي المحكم بذلك لوضوح مفردات كلامه وإتقان تركيبه بخلاف المتشابه ، وقيل المحكم ما عرف المراد منه إما بالظهور وإما بالتأويل والمتشابه ما استأثر الله بعلمه كقيام الساعة وخروج الدجال والحروف المقطعة في أوائل السور ، وقيل في تفسير المحكم والمتشابه أقوال أخر غير هذه نحو العشرة ليس هذا موضع بسطها وما ذكرته أشهرها وأقربها إلى الصواب ، وذكر الأستاذ أبو منصور البغدادي أن الأخير هو الصحيح عندنا وابن السمعاني أنه أحسن الأقوال والمختار على طريقة أهل السنة ، وعلى القول الأول جرى المتأخرون . انتهى . وقوله تعالى : هن أم الكتاب أي هن أصل الكتاب الذي يعول عليه في الأحكام ويعمل به في الحلال والحرام . فإن قيل كيف قال هن أم الكتاب ولم يقل هن أمهات الكتاب ، يقال لأن الآيات في اجتماعها وتكاملها كالآية الواحدة وكلام الله كله شيء واحد ، وقيل إن كل آية منهن أم الكتاب كما قال وجعلنا ابن مريم وأمه آية يعني أن كل واحد منهما آية . فإن قيل قد جعل الله الكتاب هنا محكما ومتشابها وجعله في موضع آخر كله محكما فقال في أول هود : الر كتاب أحكمت آياته وجعله في موضع آخر كله متشابها فقال تعالى في الزمر : الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها فكيف الجمع بين هذه الآيات ؟ يقال حيث جعله كله محكما أراد أنه كله حق وصدق ليس فيه عبث ولا هزل ، وحيث جعله كله متشابها أراد أن بعضه يشبه بعضا في الحسن والحق والصدق ، وقوله فأما الذين في قلوبهم زيغ أي ميل عن الحق وقيل الزيغ الشك ، وقوله فيتبعون ما تشابه منه أي إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة وينزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه ، فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه لأنه دافع لهم وحجة عليهم ، ولهذا قال تعالى : ابتغاء الفتنة أي الإضلال لأتباعهم لأنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن وهو حجة عليهم لأنهم كما قالوا احتج النصارى بأن القرآن قد نطق بأن عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وتركوا الاحتجاج بقوله : إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وبقوله إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون وغير ذلك من الآيات المحكمة المصرحة بأنه خلق من مخلوقات الله وعبد ورسول من رسل الله . وقوله تعالى : وابتغاء تأويله أي تحريفه على ما يريدون . وقوله تعالى : وما يعلم تأويله إلا الله اختلف القراء في الوقف هاهنا فقيل على الجلالة [ ص: 273 ] وهو قول ابن عباس ويروى هذا القول عن عائشة وعروة وأبي الشعثاء وأبي نهيك وغيرهم واختار ابن جرير هذا القول ، ومنهم من يقف على قوله والراسخون في العلم وتبعهم كثير من المفسرين وأهل الأصول وقالوا الخطاب بما لا يفهم بعيد . ومن العلماء من فصل في هذا المقام وقال التأويل يطلق ويراد به في القرآن معنيان : أحدهما التأويل بمعنى حقيقة الشيء وما يأول أمره إليه ومنه قوله تعالى : وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل فإن أريد بالتأويل هذا فالوقف على الجلالة لأن حقائق الأمور وكنهها لا يعلمه على الجلية إلا الله عز وجل ، ويكون قوله والراسخون في العلم مبتدأ ويقولون آمنا به خبره . وأما إن أريد بالتأويل المعنى الآخر وهو التفسير والبيان والتعبير عن الشيء كقوله نبئنا بتأويله أي بتفسيره فإن أريد به المعنى فالوقف على والراسخون في العلم لأنهم يعلمون ويفهمون ما خوطبوا به بهذا الاعتبار وإن لم يحيطوا علما بحقائق الأشياء على كنه ما هي عليه . وعلى هذا فيكون قوله يقولون آمنا به حالا منهم وساغ هذا وأن يكون من المعطوف دون المعطوف عليه كقوله تعالى وجاء ربك والملك صفا صفا أي وجاء الملائكة صفوفا صفوفا ، وقوله إخبارا عنهم أنهم يقولون آمنا به أي المتشابه . وقوله كل من عند ربنا أي الجميع من المحكم والمتشابه حق وصدق وكل منهما يصدق الآخر ويشهد له لأن الجميع من عند الله وليس شيء من عند الله بمختلف ولا متضاد ( فأولئك الذين سماهم الله ) أي أهل الزيغ أو زائغين بقوله في قلوبهم زيغ ( فاحذروهم ) أي لا تجالسوهم ولا تكلموهم أيها المسلمون . والمقصود التحذير من الإصغاء إلى الذين يتبعون المتشابه من القرآن . وأول ما ظهر ذلك من اليهود كما ذكره ابن إسحاق في تأويلهم الحروف المقطعة وأن عددها بالجمل مقدار مدة هذه الأمة ، ثم أول ما ظهر في الإسلام من الخوارج حتى جاء عن ابن عباس أنه فسر بهم الآية ، وقصة عمر في إنكاره على صبيغ لما بلغه أنه يتبع المتشابه فضربه على رأسه حتى أدماه أخرجها الدارمي وغيره .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد والبخاري ، ومسلم وأبو داود وابن ماجه .

                                                                                                          قوله : ( وإنما ذكره يزيد بن إبراهيم عن القاسم بن محمد في هذا الحديث ) قال الحافظ في الفتح بعد نقل كلام الترمذي هذا : قد أخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبي الوليد الطيالسي عن يزيد بن إبراهيم وحماد بن سلمة جميعا عن ابن أبي مليكة عن القاسم فلم ينفرد يزيد بزيادة القاسم . انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية