الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          3134 حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس في قوله وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس قال هي رؤيا عين أريها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى بيت المقدس قال والشجرة الملعونة في القرآن هي شجرة الزقوم قال هذا حديث حسن صحيح [ ص: 451 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 451 ] قوله : ( في قوله تعالى : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس قال الحافظ ابن جرير في تفسيره : اختلف أهل التأويل في ذلك : فقال بعضهم هو رؤيا عين ، وهي ما رأى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما أسري به من مكة إلى بيت المقدس ثم ذكر من قال ذلك ثم قال : وقال آخرون : هي رؤياه التي رأى أنه يدخل مكة فروى بإسناده عن ابن عباس قوله . وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس قال يقال : إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أري أنه دخل مكة هو وأصحابه وهو يومئذ بالمدينة فعجل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ السير إلى مكة قبل الأجل فرده المشركون ، فقالت أناس : قد رد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد كان حدثنا أنه سيدخلها ، فكانت رجعته فتنتهم ثم قال : وقال آخرون ممن قال هي رؤيا منام : إنما كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأى في منامه قوما يعلون منبره ، فذكر من قال ذلك ، قال وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال عنى بالرؤيا ما رأى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الآيات والعبر في طريقه إلى بيت المقدس وببيت المقدس ليلة أسري به ، وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لإجماع الحجة من أهل التأويل على أن هذه الآية إنما نزلت في ذلك ، وإياه عنى الله عز وجل بها . فإذا كان ذلك كذلك فتأويل الكلام وما جعلنا رؤياك التي أريناك ليلة أسرينا بك من مكة إلى بيت المقدس ، إلا فتنة للناس ، يقول : إلا بلاء للناس الذين ارتدوا عن الإسلام لما أخبروا بالرؤيا التي رآها عليه الصلاة والسلام ، وللمشركين من أهل مكة الذين ازدادوا بسماعهم ذلك من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تماديا في غيهم وكفرا إلى كفرهم . انتهى ( قال هي رؤيا عين أريها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليلة أسري به ) أريها بضم الهمزة وكسر الراء من الإراءة ولم يصرح بالمرئي ، وعند سعيد بن منصور من طريق أبي مالك قال : هو ما أري في طريقه إلى بيت المقدس ، وزاد عن سفيان في آخر الحديث : وليست رؤيا منام ، واستدل به على إطلاق لفظ الرؤيا على ما يرى بالعين في اليقظة وقد أنكره الحريري تبعا لغيره وقالوا : إنما يقال رؤيا في المنام ، وأما التي في اليقظة فيقال رؤية ، وممن استعمل الرؤيا في اليقظة المتنبي في قوله :


                                                                                                          ورؤياك أحلى في العيون من الغمض



                                                                                                          وهذا التفسير يرد على من خطأه . كذا في الفتح والشجرة الملعونة بالنصب عطف على الرؤيا تقديره : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك والشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة للناس ( قال هي شجرة الزقوم ) هذا هو الصحيح . وذكره ابن أبي حاتم عن بضعة عشر نفسا من التابعين . وأما [ ص: 452 ] الزقوم ، فقال أبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات : الزقوم شجرة غبراء تنبت في السهل صغيرة الورق مدورته لا شوك لها ، زفرة مرة ولها نور أبيض ضعيف تجرسه النحل ورءوسها قباح جدا وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال قال : المشركون يخبرنا محمد أن في النار شجرة والنار تأكل الشجرة فكان ذلك فتنة لهم .

                                                                                                          فإن قلت : أين لعنت شجرة الزقوم في القرآن .

                                                                                                          قلت : لعنت حيث لعن الكفار الذين يأكلونها ، لأن الشجرة لا ذنب لها حتى تلعن ، وإنما وصفت بلعن أصحابها على المجاز . وقيل وصفها الله تعالى باللعن لأن اللعن الإبعاد من الرحمة وهي في أصل جهنم في أبعد مكان من الرحمة .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه البخاري والنسائي .




                                                                                                          الخدمات العلمية