الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          3278 حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن مجالد عن الشعبي قال لقي ابن عباس كعبا بعرفة فسأله عن شيء فكبر حتى جاوبته الجبال فقال ابن عباس إنا بنو هاشم فقال كعب إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى فكلم موسى مرتين ورآه محمد مرتين قال مسروق فدخلت على عائشة فقلت هل رأى محمد ربه فقالت لقد تكلمت بشيء قف له شعري قلت رويدا ثم قرأت لقد رأى من آيات ربه الكبرى فقالت أين يذهب بك إنما هو جبريل من أخبرك أن محمدا رأى ربه أو كتم شيئا مما أمر به أو يعلم الخمس التي قال الله تعالى إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث فقد أعظم الفرية ولكنه رأى جبريل لم يره في صورته إلا مرتين مرة عند سدرة المنتهى ومرة في جياد له ست مائة جناح قد سد الأفق قال أبو عيسى وقد روى داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا الحديث وحديث داود أقصر من حديث مجالد

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا سفيان ) هو ابن عيينة ( عن مجالد ) هو ابن سعيد ( لقي ابن عباس كعبا ) هو كعب بن مانع الحميري أبو إسحاق المعروف بكعب الأحبار ، ثقة من الثانية مخضرم ، كان من أهل اليمن فسكن الشام مات في خلافة عثمان وقد زاد على المائة ( فسأله ) أي كعبا ( فكبر ) أي كعب ( حتى جاوبته الجبال ) أي كبر تكبيرة مرتفعا بها صوته حتى جاوبته الجبال بالصدى كأنه استعظم ما سأل عنه فكبر لذلك ، ولعل ذلك السؤال رؤية الله تعالى كما سئلت عائشة رضي الله عنها فقف لذلك شعرها . قاله الطيبي ( إنا بنو هاشم ) قال الطيبي : هذا بعث له على التسكين من ذلك الغيظ والتفكر في الجواب يعني نحن أهل علم ومعرفة فلا نسأل عما يستبعد هذا الاستبعاد ولذلك فكر فأجاب بقوله : إن الله قسم إلى آخره ( فكلم ) أي الله سبحانه وتعالى ( مرتين ) أي في الميقاتين ( ورآه محمد ) أي في المعراج ( مرتين ) كما يدل عليه قوله سبحانه وتعالى : ولقد رآه نزلة أخرى ، فهذا يدل على أن مذهب كعب أن الضمير في رآه إلى " الله " لا إلى جبريل بخلاف قول عائشة ( فدخلت على [ ص: 119 ] عائشة ) ظاهره أنه كان حاضرا في مجلس كعب وابن عباس رضي الله عنهما وسمع ما جرى بينهما ( قف له شعري ) أي قام من الفزع لما حصل عندها من عظمة الله وهيبته واعتقدته من تنزيهه واستحالة وقوع ذلك . قال النضر بن شميل القف بفتح القاف وتشديد الفاء كالقشعريرة وأصله التقبض والاجتماع لأن الجلد ينقبض عند الفزع فيقوم الشعر كذلك ( قلت رويدا ) أي أمهلي ولا تعجلي ( ثم قرأت لقد رأى من آيات ربه الكبرى قال الطيبي : أي قرأت الآيات التي خاتمتها هذه الآية كما تشهد له الرواية الأخرى أعني قوله : قلت لعائشة فأين قوله ثم دنا انتهى . قلت : في الرواية التي أخرجها الترمذي في تفسير سورة الأنعام ، فقلت يا أم المؤمنين أنظريني ولا تتعجليني أليس الله تعالى يقول ولقد رآه نزلة أخرى ولقد رآه بالأفق المبين ، فالأمر كما قال الطيبي ( أين يذهب بك ؟ ) بالبناء للمفعول أو بالبناء للفاعل أي أين يذهب بك قوله تعالى الذي قرأت ؟ وفي المشكاة أين تذهب بك . قال الطيبي أي أخطأت فيما فهمت من معنى الآية وذهبت إليه ، فإسناد الإذهاب إلى الآية مجاز ( إنما هو ) أي الآية الكبرى وذكر الضمير باعتبار الخبر ( فقد أعظم الفرية ) بكسر الفاء أي الكذب ( في جياد ) موضع بأسفل مكة قاله في المجمع ، ووقع في المشكاة في أجياد بفتح الهمزة وسكون الجيم . قال في النهاية : أجياد موضع بأسفل مكة معروف من شعابها ( قد سد الأفق ) أي ملأ أطراف السماء وحديث عائشة هذا أخرجه الشيخان مع زيادة واختلاف وفي روايتهما قال قلت لعائشة فأين قوله ؟ ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ؟ قالت ذاك جبريل عليه السلام كان يأتيه في صورة الرجل وأنه أتاه بهذه المرة في صورته التي هي صورته فسد الأفق ( وقد روى داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق عن عائشة إلخ ) أخرج هذه الرواية الترمذي في تفسير سورة الأنعام وتقدم الكلام هناك مبسوطا في أنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة الإسراء أم لا .

                                                                                                          [ ص: 120 ]



                                                                                                          الخدمات العلمية