الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء ما يقول إذا قام من الليل إلى الصلاة

                                                                                                          3418 حدثنا الأنصاري حدثنا معن حدثنا مالك بن أنس عن أبي الزبير عن طاوس اليماني عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل يقول اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ولك الحمد أنت قيام السموات والأرض ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن أنت الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت إلهي لا إله إلا أنت قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقد روي من غير وجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( كان إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل ) قال الحافظ : ظاهر السياق أنه كان يقوله أول ما يقوم إلى الصلاة وترجم عليه ابن خزيمة الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول هذا التحميد بعد أن يكبر ثم ساقه من طريق قيس بن سعد عن طاوس عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام للتهجد قال بعدما يكبر : اللهم لك الحمد انتهى " لك الحمد " تقديم الخبر يدل على التخصيص " أنت نور السماوات والأرض " أي منورهما وخالق نورهما ، وقال ابن عباس : هادي أهلهما . وقيل " منزه في السماوات والأرض من كل عيب ومبرأ من كل ريبة " ، وقيل هو اسم مدح يقال فلان نور البلد وشمس الزمان ، وقال أبو العالية : " مزين السماوات بالشمس والقمر والنجوم ومزين الأرض بالأنبياء والعلماء والأولياء " ، وقال ابن بطال : ( أنت نور السماوات والأرض ) أي بنورك يهتدي من في السماوات والأرض وقيل معناه ذو نور السماوات والأرض " أنت قيام السماوات والأرض " وفي رواية " قيم " وفي أخرى " قيوم " وهي من أبنية المبالغة وهي من صفات الله تعالى ومعناها القائم بأمور الخلق ومدبر العالم في جميع أحواله وأصلها من الواو قيوام وقيوم وقيووم بوزن فيعال فيعول ، والقيوم من أسماء الله تعالى المعدودة وهو القائم بنفسه مطلقا لا بغيره وهو مع ذلك يقوم به كل موجود حتى لا يتصور وجود شيء ولا دوام وجوده إلا به كذا في النهاية ( أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن ) قال في النهاية . الرب يطلق في اللغة على المالك والسيد والمدبر والمربي والمنعم والقيم ، ولا يطلق غير مضاف إلا على الله تعالى وإذا أطلق على غيره أضيف فيقال : رب كذا وقد جاء في الشعر مطلقا على غير الله تعالى وليس بالكثير ( أنت الحق ) أي المتحقق الوجود الثابت بلا شك فيه . قال القرطبي : هذا الوصف له سبحانه وتعالى بالحقيقة خاص به لا ينبغي لغيره إذ [ ص: 258 ] وجوده لنفسه فلم يسبقه عدم ولا يلحقه عدم بخلاف غيره . وقال ابن التين : يحتمل أن يكون معناه أنت الحق بالنسبة إلى من يدعى فيه أنه إله أو بمعنى أن من سماك إلها فقد قال الحق ( ووعدك الحق ) أي الثابت ، قال الطيبي : عرف الحق في " أنت الحق ووعدك الحق " ونكر في البواقي ؛ لأنه منكر سلفا وخلفا أن الله هو الثابت الدائم الباقي وما سواه في معرض الزوال وكذا وعده مختص بالإنجاز دون وعد غيره ، إما قصدا ، وإما عجزا تعالى الله عنهما والتنكير في البواقي للتفخيم ( ولقاؤك حق ) اللقاء البعث أو رؤية الله تعالى ، وقيل الموت وأبطله النووي ، واللقاء وما ذكر بعده داخل تحت الوعد لكن الوعد مصدر وما ذكر بعده هو الموعود به ويحتمل أن يكون من الخاص بعد العام ( والساعة حق ) أي يوم القيامة ، وأصل الساعة القطعة من الزمان وإطلاق اسم الحق على ما ذكر من الأمور معناه أنه لا بد من كونها وأنها مما يجب أن يصدق بها وتكرار لفظ حق للمبالغة في التأكيد " اللهم لك أسلمت " أي استسلمت وانقدت لأمرك ونهيك " وبك آمنت " أي صدقت بك وبكل ما أخبرت وأمرت ونهيت ( وعليك توكلت ) أي فوضت الأمر إليك تاركا للنظر في الأسباب العادية ( وإليك أنبت ) أي أطعت ورجعت إلى عبادتك أي أقبلت عليها ، وقيل معناه رجعت إليك في تدبير أمري أي فوضت إليك " وبك خاصمت " أي بما أعطيتني من البراهين والقوة خاصمت من عاند فيك وكفر بك وقمعته بالحجة وبالسيف " وإليك حاكمت " ، أي كل من جحد الحق حاكمته إليك وجعلتك الحاكم بيني وبينه لا غيرك مما كانت تحاكم إليه الجاهلية وغيرهم من صنم وكاهن ونار وشيطان وغيرها فلا أرضى إلا بحكمك ولا أعتمد غيره ، وقدم مجموع صلات هذه الأفعال عليها إشعارا بالتخصيص وإفادة للحصر ( ما قدمت ) أي قبل هذا الوقت وما أخرت عنه " وما أسررت وما أعلنت " أي أخفيت وأظهرت أو ما حدثت به نفسي وما تحرك به لساني . قال النووي : ومعنى سؤاله صلى الله عليه وسلم المغفرة مع أنه مغفور له أنه يسأل ذلك تواضعا وخضوعا وإشفاقا وإجلالا وليقتدى به في أصل الدعاء والخضوع وحسن التضرع في هذا الدعاء المعين . وفي هذا الحديث وغيره مواظبته صلى الله عليه وسلم في الليل على الذكر والدعاء والاعتراف لله تعالى بحقوقه والإقرار بصدقه ووعده ووعيده والبعث والجنة النار وغير ذلك انتهى . قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجه .

                                                                                                          [ ص: 259 ]



                                                                                                          الخدمات العلمية