الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          54 حدثنا قتيبة حدثنا رشدين بن سعد عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عتبة بن حميد عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه قال أبو عيسى هذا حديث غريب وإسناده ضعيف ورشدين بن سعد وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي يضعفان في الحديث وقد رخص قوم من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم في التمندل بعد الوضوء ومن كرهه إنما كرهه من قبل أنه قيل إن الوضوء يوزن وروي ذلك عن سعيد بن المسيب والزهري حدثنا محمد بن حميد الرازي حدثنا جرير قال حدثنيه علي بن مجاهد عني وهو عندي ثقة عن ثعلبة عن الزهري قال إنما كره المنديل بعد الوضوء لأن الوضوء يوزن

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( حدثنا رشدين بن سعد ) بكسر الراء وسكون الشين المعجمة على وزن مسكين ، قال الحافظ : ضعيف ورجح أبو حاتم عليه ابن لهيعة .

                                                                                                          وقال ابن يونس : كان صالحا في دينه فأدركته غفلة الصالحين فخلط في الحديث . انتهى . [ ص: 145 ] وقال الذهبي في الميزان : كان صالحا عابدا سيئ الحفظ غير معتمد . انتهى .

                                                                                                          ( عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ) بفتح أوله وسكون النون وضم العين المهملة الإفريقي ، قال الحافظ : ضعيف في حفظه وكان رجلا صالحا . انتهى ، قلت : هو مع ضعفه مدلس أيضا صرح به الحافظ في طبقات المدلسين ( عن عتبة بن حميد ) الضبي البصري يكنى أبا معاذ وثقه ابن حبان وضعفه أحمد .

                                                                                                          وقال أبو حاتم : صالح . كذا في الخلاصة ، وقال في التقريب : صدوق له أوهام .

                                                                                                          ( عن عبادة بن نسي ) بضم النون وفتح المهملة وشدة التحتانية الخفيفة الكندي قاضي طبرية ، ثقة فاضل من الثالثة ، قاله الحافظ ( عن عبد الرحمن بن غنم ) بفتح المعجمة وسكون النون الأشعري مختلف في صحبته ، وذكره العجلي في كبار ثقات التابعين ، قاله الحافظ .

                                                                                                          قوله : ( إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه ) أي نشف به بعد الوضوء ، وهذا الحديث أيضا دليل على جواز التنشيف لكن هذا الحديث أيضا ضعيف .

                                                                                                          قوله : ( حديث عائشة ليس بالقائم ) وصححه الحاكم ، والحق أنه ضعيف .

                                                                                                          قوله : ( وأبو معاذ يقولون هو سليمان بن أرقم وهو ضعيف عند أهل الحديث ) قال الخزرجي في الخلاصة : سليمان بن أرقم البصري أبو معاذ ، عن الحسن وعطاء ، وعنه الثوري ويحيى بن حمزة ، قال الترمذي : متروك . انتهى . وقال الذهبي في الميزان : قال خ هو مولى قريظة أو النضير ، روي عن الحسن والزهري أنهم تركوه ، وقال أحمد لا يروى عنه ، وقال عباس وعثمان عن ابن معين ليس بشيء ، وقال [ ص: 146 ] الجوزجاني ساقط ، وقال أبو داود والدارقطني متروك ، وقال أبو زرعة ذاهب ، وقال محمد بن عبد الله الأنصاري : كنا ننهى عن مجالسة سليمان بن أرقم فذكر منه أمرا عظيما . انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وقد رخص قوم من أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم في المنديل بعد الوضوء ) قال ابن المنذر : أخذ بحديث المنديل بعد الوضوء عثمان والحسن بن علي وأنس وبشير بن أبي مسعود ورخص فيه الحسن وابن سيرين وعلقمة والأسود ومسروق والضحاك ، وكان مالك والثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي لا يرون به بأسا . كذا في عمدة القاري ، واحتج المرخصون بأحاديث الباب وبحديث أم هانئ عند الشيخين : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غسله فسترت عليه فاطمة ثم أخذ ثوبه فالتحف به ، قال العيني : هذا ظاهر في التنشيف بحديث قيس بن سعد رواه أبو داود : أتانا النبي صلى الله عليه وسلم فوضعنا له ماء فاغتسل ثم أتيناه بملحفة ورسية فاشتمل بها فكأني أنظر إلى أثر الورس عليه .

                                                                                                          قلت : في الاستدلال بهذين الحديثين على جواز التنشيف بعد الوضوء تأمل ، كما لا يخفى على المتأمل ( ومن كرهه إنما كرهه من قبل أنه قيل : إن الوضوء يوزن ) : أي من جهة أن ماء الوضوء يوزن فيكره إزالته بالتنشيف ، وفيه أن الظاهر أن المراد ما استعمل في الوضوء يوزن لا الباقي على الأعضاء . وقيل : لأن ماء الوضوء نور يوم القيامة ، وفيه مثل ما في ما قبله . وقيل : لأنه إزالة لأثر العبادة ، وفيه أنه قد ثبت نفضه صلى الله عليه وسلم يديه بعد الغسل . قال ابن دقيق العيد : نفضه الماء بيده يدل على أن لا كراهة في التنشيف لأن كلا منهما إزالة . انتهى . وقيل : لأن الماء يسبح ما دام على أعضاء الوضوء ، وفيه ما قال القاري من أن عدم تسبيح ماء الوضوء إذا نشف يحتاج إلى نقل صحيح . انتهى . [ ص: 147 ] قلت : قد كره التنشيف عبد الرحمن بن أبي ليلى ، والنخعي ، وابن المسيب ، ومجاهد ، وأبو العالية ، كما ذكره العيني ، واحتجوا بما ذكر ، وقد عرفت ما فيه ، واحتجوا بحديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يمسح وجهه بالمنديل بعد الوضوء ، ولا أبو بكر ولا عمر ولا ابن مسعود ، أخرجه ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ . وفيه أن هذا الحديث ضعيف ، صرح به الحافظ في التلخيص ، فلا يصلح للاستدلال ، وبحديثميمونة في غسل النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه : فناولته ثوبا فلم يأخذه ، فانطلق وهو ينفض يديه ، أخرجه البخاري . قالوا : هذا الحديث يدل على كراهة التنشيف بعد الغسل ، فيثبت به كراهته بعد الوضوء أيضا . وفيه ما قال الحافظ من أنه لا حجة فيه; لأنها واقعة حال يتطرق إليه الاحتمال ، فيجوز أن يكون عدم الأخذ لأمر آخر لا يتعلق بكراهة التنشيف ، بل لأمر يتعلق بالخرقة أو لكونه كان مستعجلا أو غير ذلك . قال المهلب : يحتمل تركه الثوب لإبقاء بركة الماء أو للتواضع ، أو لشيء آخر رآه في الثوب من حرير أو وسخ ، وقد وقع عند الإسماعيلي من رواية أبي عوانة في هذا الحديث عن الأعمش قال : فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي ، فقال : لا بأس بالمنديل ، وإنما رده مخافة أن يصير عادة . وقال التيمي في شرحه : في هذا الحديث دليل على أنه كان ينشف ، ولولا ذلك لم تأته بالمنديل . وقال ابن دقيق العيد : نفضه الماء بيده يدل على أن لا كراهة في التنشيف; لأن كلا منهما إزالة . انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          والقول الراجح عندي : هو قول من قال بجواز التنشيف ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                          قوله : ( حدثنا محمد بن حميد ) ابن حيان الرازي حافظ ضعيف ، وكان ابن معين حسن الرأي فيه ( قال : حدثنا جرير ) هو ابن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي ، نزيل الري وقاضيها ، ثقة صحيح الكتاب ، قيل كان في آخر عمره يهم من حفظه ، ( حدثنيه علي بن مجاهد ) ابن مسلم القاضي الكابلي - بضم الموحدة وتخفيف اللام - متروك وليس في شيوخ أحمد أضعف منه ( عني ) كان جرير حدث به أولا علي بن مجاهد ثم نسي جرير فأخبره علي بن مجاهد بأنك حدثتني به عن [ ص: 148 ] ثعلبة ، فرواه جرير بعدما نسي وقال : حدثنيه علي بن مجاهد عني .

                                                                                                          قال ابن الصلاح : وقد روى كثير من الأكابر أحاديث نسوها بعدما حدثوا بها ، وكان أحدهم يقول : حدثني فلان عني عن فلان بكذا ، وصنف في ذلك الخطيب أخبار من حدث ونسي ، وكذلك الدارقطني .

                                                                                                          ( وهو عندي ثقة ) هذا قول جرير ( عن ثعلبة ) ابن سهيل التميمي الطهوي الكوفي ، كان يسكن بالري ، وكان متطببا ، روى عن الزهري وغيره ، وعنه جرير بن عبد الحميد وغيره ، قال الحافظ في تهذيب التهذيب : روى له الترمذي أثرا موقوفا في الوضوء . انتهى . قلت : أشار الحافظ إلى أثر الزهري هذا .




                                                                                                          الخدمات العلمية