الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                      صدقة البخيل

                                                                                                      2547 أخبرنا محمد بن منصور قال حدثنا سفيان عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن طاوس قال سمعت أبا هريرة ثم قال حدثناه أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن مثل المنفق المتصدق والبخيل كمثل رجلين عليهما جبتان أو جنتان من حديد من لدن ثديهما إلى تراقيهما فإذا أراد المنفق أن ينفق اتسعت عليه الدرع أو مرت حتى تجن بنانه وتعفو أثره وإذا أراد البخيل أن ينفق قلصت ولزمت كل حلقة موضعها حتى إذا أخذته بترقوته أو برقبته يقول أبو هريرة أشهد أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوسعها فلا تتسع قال طاوس سمعت أبا هريرة يشير بيده وهو يوسعها ولا تتوسع

                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                      2547 ( إن مثل المنفق المتصدق والبخيل كمثل رجلين عليهما جبتان أو جنتان ) الأول بموحدة , تثنية جبة ، وهو ثوب مخصوص ، والثاني بالنون تثنية جنة [ ص: 71 ] وهي الدرع ، وهذا شك من الراوي ، قال القاضي عياض : وصوابه جنتان بالنون بلا شك كما في الرواية الأخرى ، قال : ويدل عليه في الحديث نفسه قوله : ولزمت كل حلقة موضعها وفي الحديث الآخر : جنتان من حديد قلت : وقوله في هذا الحديث : اتسعت عليه الدرع وهو بمهملات ( من لدن ثديهما ) بضم المثلثة وكسر الدال المهملة وتشديد الياء : جمع ثدي ( إلى تراقيهما ) بمثناة -فوق- أوله وقاف : جمع ترقوة ( حتى تجن ) بكسر الجيم وتشديد النون أي تستر ، قال عياض : ورواه بعضهم تحز بالحاء المهملة والزاي وهو وهم ( بنانه ) بفتح الموحدة ونونين الأولى خفيفة : أي أصابعه قال عياض : ورواه بعضهم بالمثلثة وتحتية وموحدة : جمع ثوب وهو وهم ، قال الحافظ ابن حجر : هو تصحيف ( وتعفو أثره ) قال النووي : أي تمحو أثر مشيه بسبوغها وكمالها قال : وهو تمثيل لنماء المال بالصدقة والإنفاق ، والبخل بضد ذلك ، وقيل : هو تمثيل لكثرة الجود [ ص: 72 ] وأن المعطي إذا أعطى انبسطت يداه بالعطاء وتعود ، وإذا أمسك صار ذلك عادة له ، وقيل : معنى تعفو أثره أي تذهب بخطاياه وتمحوها ، وقيل : ضرب المثل بهما لأن المنفق يستره الله بنفقته ويستر عوراته في الدنيا والآخرة كستر هذه الجنة لابسها ، والبخل كمن لبس جنة إلى ثدييه فبقي مكشوفا بادي العورة مفتضحا في الدنيا والآخرة ( قلصت ) أي انقبضت ( كل حلقة ) بسكون اللام ( أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوسعها فلا تتسع يشير بيده ) قال القاضي عياض : هذا تمثيل منه صلى الله عليه وسلم بالعيان للمثل الذي ضربه ، قال : وفيه جواز لباس القمص ذوات الجيوب في الصدور ، ولذلك ترجم عليه البخاري : باب جيب القميص من عند الصدر ؛ لأنه المفهوم من لباس النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة وهو لباس أكثر الأمم وكثير من الزعماء والعلماء من المسلمين بالشرق وغيره ، ولا يسمى عند العرب قميصا إلا ما كان له جيب . وقال الخطابي : هذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم للمتصدق والبخيل ، [ ص: 73 ] فشبههما برجلين أراد كل واحد منهما يلبس درعا يستر به من سلاح عدوه يصبها على رأسه ليلبسها , والدرع أول ما تقع على الصدر والثديين إلى أن يدخل الإنسان يديه في كمها ، فجعل المنفق كمثل من لبس درعا سابغة فاسترسلت عليه حتى سترت جميع بدنه ، وجعل البخيل كمثل رجل غلت يداه إلى عنقه كلما أراد لبسها اجتمعت في عنقه فلزمت ترقوته , والمراد أن الجواد إذا هم بالصدقة انفسح لها صدره ، وطابت نفسه ، فتوسعت في الإنفاق ، والبخيل إذا حدث نفسه بالصدقة شحت نفسه ، فضاق صدره ، وانقبضت يداه ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون




                                                                                                      الخدمات العلمية