الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                      باب اجتناب الشبهات في الكسب

                                                                                                      4453 حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال حدثنا خالد وهو ابن الحارث قال حدثنا ابن عون عن الشعبي قال سمعت النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله لا أسمع بعده أحدا يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الحلال بين وإن الحرام بين وإن بين ذلك أمورا مشتبهات وربما قال وإن بين ذلك أمورا مشتبهة قال وسأضرب لكم في ذلك مثلا إن الله عز وجل حمى حمى وإن حمى الله عز وجل ما حرم وإنه من يرتع حول الحمى يوشك أن يخالط الحمى وربما قال إنه من يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه وإن من يخالط الريبة يوشك أن يجسر

                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                      4453 إن الحلال بين وإن الحرام بين الحديث قال المازري : الحديث جليل الموقع عظيم النفع في [ ص: 241 ] الشرع ؛ حتى قال بعضهم : إنه ثلث الإسلام ، وقال القاضي عياض : روي عن أبي داود السجستاني ، قال : كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث ، الثابت منها أربعة آلاف [ ص: 242 ] حديث , وهي ترجع إلى أربعة أحاديث : قوله عليه الصلاة والسلام : إنما الأعمال بالنيات وقوله : من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه وقوله : الحلال بين والحرام بين وقوله : لا يكون المرء مؤمنا حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه وروي مكان هذا ازهد في الدنيا يحبك الله الحديث . قال : وقد نظم هذا أبو الحسن طاهر بن مفوز في بيتين ، فقال :


                                                                                                      عمدة الدين عندنا كلمات أربع من كلام خير البريه اتق الشبهات وازهد ودع ما
                                                                                                      ليس يعنيك واعملن بنيه

                                                                                                      قال المازري : وإنما نبه أهل العلم على عظم هذا الحديث ؛ لأن الإنسان إنما يعبد بطهارة قلبه وجسمه ، فأكثر المذام المحظورات إنما تنبعث من القلب ، وأشار صلى الله عليه وسلم لإصلاحه ، ونبه على أن إصلاحه هو إصلاح الجسم ، وأنه الأصل وهذا صحيح يؤمن به حتى من لا يؤمن بالشرع , وقد نص عليه الفلاسفة والأطباء , والأحكام والعبادات آلة يتصرف الإنسان عليها بقلبه وجسمه فيها يقع في مشكلات وأمور ملتبسات تكسب التساهل فيها ، وتعويد النفس الجراءة عليها ، وتكسب فساد الدين والعرض ، فنبه صلى الله عليه وسلم على توقي هذه , وضرب لها مثلا محسوسا لتكون النفس له أشد تصورا ، والعقل أعظم قبولا ، فأخبر أن الملوك لهم أحمية ، وكانت العرب تعرف في الجاهلية أن العزيز فيهم يحمي مروجا وأفنية ، ولا يتجاسر عليها ، ولا يدنى منها مهابة من سطوته ، أو خوفا من الوقوع في حوزته ، وهكذا محارم الله سبحانه من ترك منها ما قرب ، فهو من توسطها أبعد ، ومن تحامى طرف النهي أمن عليه أن يتوسط ، ومن قرب توسط ( وإن بين ذلك [ ص: 243 ] أمورا مشتبهات ) قال القاضي عياض : اختلف في حكم المشتبهات ، فقيل : مواقعتها حرام ، وقيل : حلال ، لكن يتورع عنه لاشتباهه ، وقيل : لا يقال فيها لا حلال ولا حرام لقوله : الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات ، فلا يحكم لها بشيء من الحكمين . قال : وقد أكثر العلماء من الكلام على تفسير المشتبهات ، ونحن نبينها على أمثل طريقة ، فاعلم أن الاشتباه هو الالتباس ، وإنما يطلق [ ص: 244 ] في مقتضى هذه التسمية هاهنا على أمر أشبه أصلا ما ، وهو مع هذا يشبه أصلا آخر يناقض الأصل الأول ، فكأنه كثر اشتباهه ، فقيل : اشتبه بمعنى اختلط حتى كأنه شيء واحد من شيئين مختلفين ، إذا عرفت ذلك فقد يكون أصول الشرع المختلفة تتجاذب فرعا واحدا تجاذبا متساويا في حق بعض العلماء ، ولا يمكنه تصوير ترجيح ، ورده لبعض الأصول يوجب تحريمه ، ورده لبعضها يوجب حله ، فلا شك أن الأحوط هاهنا تجنب هذا ، ومن تجنبه وصف بالورع والتحفظ في الدين .




                                                                                                      الخدمات العلمية