الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سليمان بن يسار أحد التابعين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وعكرمة مولى ابن عباس ،

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أحد التابعين ، والمفسرين المكثرين ، والعلماء الربانيين ، والرحالين الجوالين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 24 ] كان أحد الفقهاء المشهورين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكثير عزة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشاعر المشهور ، وهو كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر ، أبو صخر الخزاعي الحجازي ، المعروف بابن أبي جمعة وعزة هذه - المشهور بها المنسوب إليها ، لتغزله فيها - هي أم عمرو عزة - بالعين المهملة - بنت جميل بن حفص من بني حاجب بن غفار وإنما صغر اسمه فقيل : كثير . لأنه كان دميم الخلق قصيرا ، طوله ثلاثة أشبار .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن خلكان كان يقال له : زب الذباب . وكان إذا مشى يظن أنه صغير من قصره ، وكان إذا دخل على عبد الملك بن مروان يقول له : طأطئ رأسك لا يؤذك السقف . وكان يضحك إليه ، وكان يفد على عبد الملك بن مروان ووفد على عمر بن عبد العزيز أيضا ، وكان يقال : إنه أشعر الإسلاميين . على أنه كان فيه تشيع ، وربما نسبه بعضهم إلى مذهب التناسخية ، وكان يحتج على ذلك من جهله وقلة عقله إن صح النقل عنه ، بقوله تعالى : في أي صورة ما شاء ركبك [ الانفطار : 8 ] . وقد استأذن يوما على عبد الملك فلما دخل عليه قال عبد الملك : تسمع بالمعيدي خير من أن تراه . فقال : مهلا يا أمير [ ص: 25 ] المؤمنين ، إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه ، إن نطق نطق ببيان ، وإن قاتل قاتل بجنان ، وأنا الذي أقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وجربت الأمور وجربتني وقد أبدت عريكتي الأمور     وما تخفى الرجال علي إني
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بهم لأخو مثاقبة خبير     ترى الرجل النحيف فتزدريه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي أثوابه أسد مزير     ويعجبك الطرير فتجتبيه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيخلف ظنك الرجل الطرير     وما عظم الرجال لها بزين
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولكن زينها كرم وخير     بغاث الطير أطولها جسوما
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولم تطل البزاة ولا الصقور     وقد عظم البعير بغير لب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلم يستغن بالعظم البعير     فيركب ثم يضرب بالهراوى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولا عرف لديه ولا نكير     وعود النبع ينبت مستمرا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وليس يطول والقصباء خور

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد تكلم أبو الفرج بن طرار على غريب هذه الحكاية وشعرها بكلام طويل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 26 ] قالوا : ودخل كثير عزة يوما على عبد الملك بن مروان فامتدحه بقصيدته التي يقول فيها :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      على ابن أبي العاصي دروع حصينة     أجاد المسدي سردها وأذالها

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال له عبد الملك : أفلا قلت كما قال الأعشى ، لقيس بن معد يكرب :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وإذا تجيء كتيبة ملمومة     شهباء يخشى الذائدون نهالها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كنت المقدم غير لابس جنة     بالسيف تضرب معلما أبطالها

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقال يا أمير المؤمنين ، وصفه بالخرق ووصفتك بالحزم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ودخل يوما على عبد الملك وهو يتجهز للخروج إلى مصعب بن الزبير فقال : ويحك يا كثير ! ذكرتك الآن بشعرك ، فإن أصبته أعطيتك حكمك . فقال : يا أمير المؤمنين ، كأنك لما ودعت عاتكة بنت يزيد بكت لفراقك ، فبكى لبكائها حشمها فذكرت قولي :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا ما أراد الغزو لم تثن عزمه     حصان عليها نظم در يزينها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      نهته فلما لم تر النهي عاقه     بكت فبكى مما عراها قطينها

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : أصبت فاحتكم . قال : مائة ناقة من نوقك المختارة . قال : هي لك . [ ص: 27 ] فلما سار عبد الملك إلى العراق نظر يوما إلى كثير عزة وهو مفكر في أمره ، فقال : علي به . فلما جيء به قال له : أرأيت إن أخبرتك بما كنت تفكر به تعطيني حكمي ؟ قال : نعم . قال : والله ؟ قال : والله . قال له عبد الملك : إنك تقول في نفسك : هذا رجل ليس هو على مذهبي ، وهو ذاهب إلى قتال رجل آخر ليس هو على مذهبي ، فإن أصابني سهم غرب من بينهما خسرت الدنيا والآخرة . فقال : إي والله يا أمير المؤمنين فاحتكم . قال : حكمي أن أردك إلى أهلك وأحسن جائزتك . فأعطاه مالا وأذن له في الانصراف .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال حماد الراوية ، عن كثير عزة : وفدت أنا والأحوص ونصيب إلى عمر بن عبد العزيز حين ولي الخلافة ، ونحن نمت إليه بصحبتنا إياه ومعاشرتنا له لما كان بالمدينة فكل منا يظن أنه سيشركه في الخلافة ، فنحن نسير ونختال في رحالنا ، فلما انتهينا إلى خناصرة ولاحت لنا أعلامها ، تلقانا مسلمة بن عبد الملك فقال : ما أقدمكم ؟ أوما علمتم أن صاحبكم لا يحب الشعر ؟ قال : فوجمنا لذلك ، فأنزلنا مسلمة عنده ، وأجرى علينا النفقات وعلف دوابنا ، وأقمنا عنده أربعة أشهر ، لا يمكنه أن يستأذن لنا على عمر فلما كان في بعض الجمع دنوت منه لأسمع خطبته فأسلم عليه بعد الصلاة ، فسمعته يقول في خطبته : لكل سفر زاد لا محالة ، فتزودوا لسفركم من الدنيا إلى الآخرة بالتقوى ، وكونوا كمن عاين ما أعد الله له من عذابه [ ص: 28 ] وثوابه فترغبوا وترهبوا ، ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم وتنقادوا لعدوكم ، فإنه والله ما بسط أمل من لا يدري لعله لا يمسي بعد إصباحه ولا يصبح بعد إمسائه ، وربما كانت له بين ذلك خطرات المنايا ، وإنما يطمئن من وثق بالنجاة من عذاب الله وأهوال يوم القيامة ، فأما من لا يداوي من الدنيا كلما إلا أصابه جارح من ناحية أخرى ، فكيف يطمئن ؟ ! أعوذ بالله أن آمركم بما أنهى عنه نفسي فتخسر صفقتي وتبدو مسكنتي في يوم لا ينفع فيه إلا الحق والصدق . ثم بكى حتى ظننا أنه قاض نحبه ، وارتج المسجد وما حوله بالبكاء والعويل . قال : فانصرفت إلى صاحبي ، فقلت : خذا شرجا من الشعر غير ما كنا نقول لعمر وآبائه ، فإنه رجل آخري ، ليس برجل دنيا . قال : ثم استأذن لنا مسلمة عليه يوم الجمعة ، فلما دخلنا عليه سلمت عليه ، ثم قلت : يا أمير المؤمنين ، طال الثواء ، وقلت الفائدة ، وتحدث بجفائك إيانا وفود العرب . فقال : إنما الصدقات للفقراء والمساكين [ التوبة : 60 ] - وقرأ الآية - فإن كنتم من هؤلاء أعطيتكم ، وإلا فلا حق لكم فيها . فقلت : يا أمير المؤمنين ، إني مسكين وعابر سبيل ومنقطع به . فقال : ألستم عند أبي سعيد ؟ يعني مسلمة بن عبد الملك فقلنا : بلى . فقال : إنه لا ثواء على من هو عند أبي سعيد . فقلت : ائذن لي يا أمير المؤمنين في الإنشاد . قال : نعم ، ولا تقل إلا حقا . فأنشدته قصيدة فيه :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 29 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وليت فلم تشتم عليا ولم تخف     بريا ولم تقبل إشارة مجرم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وصدقت بالفعل المقال مع الذي     أتيت فأمسى راضيا كل مسلم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ألا إنما يكفي الفتى بعد زيغه     من الأود البادي ثقاف المقوم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد لبست تسعى إليك ثيابها     تراءى لك الدنيا بكف ومعصم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وتومض أحيانا بعين مريضة     وتبسم عن مثل الجمان المنظم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فأعرضت عنها مشمئزا كأنما     سقتك مدوفا من سمام وعلقم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد كنت من أجبالها في ممنع     ومن بحرها في مزبد الموج مفعم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما زلت تواقا إلى كل غاية     بلغت بها أعلى البناء المقدم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلما أتاك الملك عفوا ولم تكن     لطالب دنيا بعده في تكلم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تركت الذي يفنى وإن كان مونقا     وآثرت ما يبقى برأي مصمم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأضررت بالفاني وشمرت للذي     أمامك في يوم من الشر مظلم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما لك إذ كنت الخليفة مانع     سوى الله من مال رغيب ولا دم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سما لك هم في الفؤاد مؤرق     بلغت به أعلى المعالي بسلم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فما بين شرق الأرض والغرب كلها     مناد ينادي من فصيح وأعجم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يقول أمير المؤمنين ظلمتني     بأخذك ديناري ولا أخذ درهمي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولا بسط كف لامرئ غير مجرم     ولا السفك منه ظالما ملء محجم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولو يستطيع المسلمون لقسموا     لك الشطر من أعمارهم غير ندم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فعشت بها ما حج لله راكب     ملب مطيف بالمقام وزمزم [ ص: 30 ]
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فأربح بها من صفقة لمبايع     وأعظم بها أعظم بها ثم أعظم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : فأقبل علي عمر بن عبد العزيز وقال : إنك تسأل عن هذا يوم القيامة . ثم استأذنه الأحوص فأنشده قصيدة أخرى ، فقال : إنك تسأل عن هذا يوم القيامة . ثم استأذنه نصيب ، فلم يأذن له ، وأمر لكل واحد منهم بمائة وخمسين درهما ، وأغزى نصيبا إلى مرج دابق . وقد وفد كثير عزة بعد ذلك على يزيد بن عبد الملك فامتدحه بقصائد ، فأعطاه سبعمائة دينار .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزبير بن بكار : كان كثير عزة شيعيا خشبيا يرى الرجعة ، وكان يرى التناسخ ، ويحتج بقوله تعالى : في أي صورة ما شاء ركبك [ الانفطار : 8 ] . وقال موسى بن عقبة : هول كثير عزة ليلة في منامه ، فأصبح يمتدح آل الزبير ويرثي عبد الله بن الزبير وكان يسيء الرأي فيه :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بمفتضح البطحاء ثاو لو انه     أقام بها ما لم ترمها الأخاشب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سرحنا سروبا آمنين ومن يخف     بوائق ما يخشى تنبه النوائب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تبرأت من عيب ابن أسماء إنني     إلى الله من عيب ابن أسماء تائب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هو المرء لا تزري به أمهاته     وآباؤه فينا الكرام الأطايب

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 31 ] وقال مصعب بن عبد الله الزبيري : قالت عائشة بنت طلحة لكثير عزة : ما الذي يدعوك إلى ما تقول من الشعر في عزة وليست على ما تصف من الحسن والجمال ؟ ! فلو قلت ذلك في وفي أمثالي ، فأنا أشرف وأفضل منها ، وإنما أرادت أن تختبره وتبلوه ، فقال :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صحا قلبه يا عز أو كاد يذهل     وأضحى يريد الصوم أو يتبدل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكيف يريد الصوم من هو وامق     لعزة لا قال ولا متبذل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا وصلتنا خلة كي تزيلنا     أبينا وقلنا الحاجبية أول
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سنوليك عرفا إن أردت وصالنا     ونحن لتيك الحاجبية أوصل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحدثها الواشون أني هجرتها     فحملها غيظا علي المحمل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقالت له عائشة : لقد جعلتني خلة ولست لك بخلة ، وهلا قلت كما قال جميل فهو والله أشعر منك حيث يقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يا رب عارضة علينا وصلها     بالجد تخلطه بقول الهازل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فأجبتها بالقول بعد تستر     حبي بثينة عن وصالك شاغلي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لو كان في قلبي بقدر قلامة     فضل وصلتك أو أتتك رسائلي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقال : والله ما أنكر فضل جميل وما أنا إلا حسنة من حسناته . واستحيا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 32 ] ومما أنشده ابن الأنباري ، لكثير عزة :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بأبي وأمي أنت من معشوقة     طبن العدو لها فغير حالها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومشى إلي بعيب عزة نسوة     جعل الإله خدودهن نعالها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الله يعلم لو جمعن ومثلت     لاخترت قبل تأمل تمثالها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولو ان عزة خاصمت شمس الضحى     في الحسن عند موفق لقضى لها

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأنشد غيره لكثير عزة :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فما أحدث النأي الذي كان بيننا     سلوا ولا طول اجتماع تقاليا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما زادني الواشون إلا صبابة     ولا كثرة الناهين إلا تماديا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال كثير أيضا :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقلت لها يا عز كل مصيبة     إذا وطنت يوما لها النفس ذلت
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هنيئا مريئا غير داء مخامر     لعزة من أعراضنا ما استحلت

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال كثير عزة أيضا ، وفيه حكمة :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن لا يغمض عينه عن صديقه     وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن يتتبع جاهدا كل عثرة     يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذكروا أن عزة بنت جميل بن حفص - أحد بني حاجب بن عبد الله بن غفار - أم عمرو الضمرية وفدت على عبد الملك بن مروان تشكو إليه ظلامة ، [ ص: 33 ] فقال لها : لا أقضيها لك حتى تنشديني شيئا من شعره . فقالت : لا أحفظ له كثير شعر ، لكني سمعتهم يحكون عنه أنه قال في :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قضى كل ذي دين علمت غريمه     وعزة ممطول معنى غريمها

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقال : ليس عن هذا أسألك ، ولكن أنشديني قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد زعمت أني تغيرت بعدها     ومن ذا الذي يا عز لا يتغير
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تغير جسمي والخليقة كالذي     عهدت ولم يخبر بسرك مخبر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فاستحيت وقالت : أما هذا فلا أحفظه ، ولكني سمعتهم يحكونه عنه ، ولكن أحفظ له قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كأني أنادي صخرة حين أعرضت     من الصم لو تمشي بها العصم زلت
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفوح فما تلقاك إلا بخيلة     ومن مل منها ذلك الوصل ملت

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : فقضى لها حاجتها وردها ، ورد عليها ظلامتها ، وقال : أدخلوها على الحرم ليتعلموا من أدبها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن بعض نساء العرب قالت : اجتازت بنا عزة فاجتمع نساء الحاضر إليها لينظرن حسنها ، فإذا هي حميراء حلوة لطيفة ، فلم تقع من النساء بذلك الموقع حتى تكلمت ، فإذا هي أبرع الخلق وأحلاه حديثا ، فما بقي في [ ص: 34 ] أعيننا امرأة تفوقها حسنا وجمالا وحلاوة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذكر الأصمعي ، عن سفيان بن عيينة قال : دخلت عزة على سكينة بنت الحسين فقالت لها : إني أسألك عن شيء فاصدقيني ، ما الذي أراد كثير في قوله لك :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قضى كل ذي دين فوفى غريمه     وعزة ممطول معنى غريمها

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقالت : كنت وعدته قبلة مطلته بها . فقالت : أنجزيها له وإثمها علي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد روي أن أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز قالت لها مثل هذا سواء . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروي أن عبد الملك بن مروان أراد أن يزوج كثيرا من عزة فأبت عليه ، وقالت : يا أمير المؤمنين ، أبعدما فضحني بين الناس وشهرني في العرب؟ ! وامتنعت من ذلك كل الامتناع . ذكره ابن عساكر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروي أنها اجتازت مرة بكثير وهو لا يعرفها ، فتنكرت عليه ، وأرادت أن تختبر ما عنده ، فتعرض لها فقالت له : فأين حبك عزة ؟ فقال : أنا لك الفداء ، لو أن عزة أمة لي لوهبتها لك . فقالت : ويحك ! لا تفعل ، ألست القائل :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 35 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا وصلتنا خلة كي تزيلنا     أبينا وقلنا الحاجبية أول

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقال : بأبي أنت وأمي ، أقصري عن ذكرها واسمعي ما أقول . ثم قال :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هل وصل عزة إلا وصل غانية     في وصل غانية من وصلها بدل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قالت : فهل لك في المجالسة ؟ قال : ومن لي بذلك ؟ قالت : فكيف بما قلت في عزة ؟ فقال : أقلبه فيتحول لك . قال : فسفرت عن وجهها وقالت : أغدرا وتنكاثا يا فاسق؟ ! وإنك لهاهنا يا عدو الله . فبهت وأبلس ، ولم ينطق وتحير وخجل ، ثم قالت : قاتل الله جميلا حيث يقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لحا الله من لا ينفع الود عنده     ومن حبله إن مد غير متين
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن هو ذو وجهين ليس بدائم     على العهد حلاف بكل يمين

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم شرع كثير يعتذر ويتنصل مما وقع منه ، ويقول في ذلك الأشعار ذاكرا وآثرا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد ماتت عزة بمصر في أيام عبد العزيز بن مروان وزار كثير قبرها ورثاها ، وتغير شعره بعدها ، فقال له قائل : ما بال شعرك تغير ، وقد قصرت فيه ؟ فقال : ماتت عزة فلا أطرب ، وذهب الشباب فلا أعجب ، ومات عبد العزيز بن مروان فلا أرغب ، وإنما الشعر عن هذه الخلال .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكانت وفاته ووفاة عكرمة في يوم واحد ، ولكن في سنة خمس ومائة ، [ ص: 36 ] على المشهور . وإنما ذكره شيخنا أبو عبد الله الذهبي في هذه السنة . أعني سنة سبع ومائة . والله سبحانه أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية