الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الفضيل بن عياض ،

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو علي التميمي ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أحد أئمة العباد ، وعلم الزهاد ، وواحد العلماء الأولياء ، ولد بخراسان بكورة أبيورد ، وقدم الكوفة وهو كبير ، فسمع الأعمش ، ومنصور بن المعتمر وعطاء بن السائب ، وحصين بن عبد الرحمن ، وغيرهم ، ثم انتقل إلى مكة فتعبد بها ، وكان حسن تلاوة القرآن ، كثير الصلاة والصيام ، وكان سيدا كبير الشأن ، ثقة من أئمة الرواية ، رحمه الله ، ورضي عنه ، وله مع الرشيد قصة موعظته له ، وقد روينا ذلك [ ص: 661 ] مطولا في كيفية دخول الرشيد عليه منزله ، وما قال له الفضيل ، وعرض الرشيد عليه المال ، فأبى ذلك ولم يقبل منه شيئا ، وكانت وفاته بمكة في هذا العام ، في المحرم منه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذكروا أنه كان شاطرا يقطع الطريق ، وكان يتعشق جارية ، فبينما هو ذات ليلة يتسور عليها جدارا إذ سمع قارئا يقرأ : ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله [ الحديد : 61 ] . فقال : بلى يا رب . وأقلع عما هو فيه ، ورجع إلى خربة ، فبات بها فسمع سفارا يقولون : إن فضيلا أمامكم يقطع الطريق . فأمنهم ، واستمر على توبته ، حتى كان منه ما كان من السيادة والعبادة والزهادة ، ثم صار علما يقتدى به ويهتدى بكلامه وفعاله ، رحمه الله . قال الفضيل : لو أن الدنيا كلها حلال لا أحاسب بها ، لكنت أتقذرها كما يتقذر أحدكم الجيفة إذا مر بها أن تصيب ثوبه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال : العمل لأجل الناس شرك ، وترك العمل لأجل الناس رياء ، والإخلاص أن يعافيك الله منهما .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 662 ] وقال له الرشيد يوما : ما أزهدك! فقال : أنت أزهد مني ; لأني زهدت في الدنيا الفانية ، وأنت زهدت في الآخرة الباقية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن كلامه : لو أن لي دعوة مستجابة لدعوت بها لإمام عامة ; فإنه إذا صلح أمنت البلاد والعباد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال : إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق حماري وخادمي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال في قوله تعالى : ليبلوكم أيكم أحسن عملا [ الملك : 2 ] . قال : يعني أخلصه وأصوبه ;إن العمل يجب أن يكون خالصا لله ، وصوابا على متابعة النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها توفي بشر بن المفضل ، وعبد السلام بن حرب ، وعبد العزيز بن [ ص: 663 ] محمد الدراوردي ، وعبد العزيز العمي ، وعلي بن عيسى الأمير ببلاد الروم مع القاسم ابن الرشيد في الصائفة ، ومعتمر بن سليمان ، وأبو شعيب البراثي الزاهد ، وكان أول من سكن براثا في كوخ له يتعبد فيه ، فهويته امرأة من بنات الرؤساء ، فانخلعت مما كانت فيه من السعادة والحشمة ، وتزوجته وأقامت معه يتعبدان في ذلك الكوخ حتى ماتا ، رحمهما الله ، ويقال إن اسمها جوهرة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية