الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها توفي محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين . وحج بالناس فيها محمد بن داود .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها توفي من سادات المحدثين :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إسحاق الفروي ، وإسماعيل بن أبي أويس ، [ ص: 278 ] وسنيد بن داود صاحب التفسير ، وغسان بن الربيع ، ويحيى بن يحيى التميمي ، شيخ مسلم بن الحجاج .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأبو دلف العجلي القاسم بن عيسى بن إدريس بن معقل بن عمير بن شيخ بن معاوية بن خزاعي بن عبد العزى بن دلف بن جشم بن قيس بن سعد بن عجل بن لجيم ، الأمير أبو دلف العجلي أحد قواد المأمون والمعتصم ، وإليه ينسب الأمير أبو نصر بن ماكولا صاحب كتاب " الإكمال " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان القاضي جلال الدين القزويني خطيب دمشق يزعم أنه من سلالته ، ويذكر نسبه إليه ، وكان أبو دلف هذا كريما جوادا معطاء ممدحا ، قد قصده الشعراء من كل أوب ، وكان أبو تمام الطائي من جملة من يغشاه ويستمنح نداه ، وكانت لديه فضيلة في الأدب والغناء ، وصنف كتبا ؛ منها [ ص: 279 ] " سياسة الملوك " ، ومنها في " الصيد والبزاة " ، وفي " السلاح " ، وغير ذلك ، وما أحسن ما قال فيه بكر بن النطاح الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يا طالبا للكيمياء وعلمه مدح ابن عيسى الكيمياء الأعظم     لو لم يكن في الأرض إلا درهم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومدحته لأتاك ذاك الدرهم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيقال : إنه أعطاه على ذلك عشرة آلاف درهم . وكان شجاعا فاتكا ، ومعطاء لا يمل من العطاء ، وكان يستدين على ذمته ويعطي ، وكان أبوه قد شرع في بناء مدينة الكرج ، فمات ولم يتمها ، فأتمها أبو دلف هذا ، وكان فيه تشيع ، وكان يقول : من لم يكن مغاليا في التشيع ، فهو ولد زنا . فقال له ابنه دلف : لست على مذهبك يا أبه . فقال : والله لقد وطئت أمك قبل أن أستبرئها ، فهذا من ذاك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكر القاضي ابن خلكان أن ولده رأى في المنام بعد وفاة أبيه أن آتيا أتاه ، فقال : أجب الأمير . قال : فقمت معه فأدخلني دارا وحشة وعرة سوداء الحيطان مقلعة السقوف ، والأبواب ، وأصعدني في درج منها ثم أدخلني غرفة في حيطانها أثر النيران ، وفي أرضها أثر الرماد ، وإذا بأبي فيها وهو عريان واضع رأسه بين ركبتيه فقال لي كالمستفهم : دلف ؟ فقلت : دلف . فأنشأ [ ص: 280 ] يقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبلغن أهلنا ولا تخف عنهم     ما لقينا في البرزخ الخناق
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قد سئلنا عن كل ما قد فعلنا     فارحموا وحشتي وما قد ألاقي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم قال : أفهمت ؟ قلت : نعم . ثم :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلو أنا إذا متنا تركنا     لكان الموت راحة كل حي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولكنا إذا متنا بعثنا     ونسأل بعده عن كل شي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم قال : أفهمت ؟ قلت : نعم . وانتبهت .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية