الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      داود بن رشيد وصفوان بن صالح مؤذن أهل دمشق وعبد الملك بن حبيب الفقيه المالكي أحد المشاهير ، وعثمان بن أبي شيبة صاحب " التفسير " ، " والمسند " المشهور ، ومحمد بن مهران الرازي ، ومحمود بن غيلان ، ووهب بن بقية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأحمد بن عاصم الأنطاكي ، أبو علي الواعظ الزاهد أحد [ ص: 358 ] العباد ، له كلام حسن في الزهد ومعاملات القلوب ، قال أبو عبد الرحمن السلمي : كان من طبقة الحارث المحاسبي وبشر الحافي ، وكان أبو سليمان الداراني يسميه جاسوس القلوب ; لحدة فراسته .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      روى عن أبي معاوية الضرير وطبقته ، وعنه أحمد بن أبي الحواري ، ومحمود بن خالد ، وأبو زرعة الدمشقي ، وغيرهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      روى عنه أحمد بن أبي الحواري ، عن مخلد بن الحسين ، عن هشام بن حسان قال : مررت بالحسن البصري وهو جالس وقت السحر ، فقلت : يا أبا سعيد ، مثلك يجلس في هذا الوقت ؟ ! قال : إني قد توضأت فأردتها أن تقوم فتصلي فأبت علي ، وأرادتني على أن تنام فأبيت عليها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن مستجاد كلامه ; قوله : إذا أردت صلاح قلبك فاستعن عليه بحفظ لسانك . وقال : من الغنيمة الباردة أن تصلح ما بقي من عمرك فيغفر لك ما مضى منه ، وقال : يسير اليقين يخرج الشك كله من القلب ، ويسير الشك يخرج اليقين كله منه ، وقال : من كان بالله أعرف كان [ ص: 359 ] له أخوف . وقال : خير صاحب لك في دنياك الهم يقطعك عن الدنيا ، ويوصلك إلى الآخرة ، ومن شعره ، رحمه الله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هممت ولم أعزم ولو كنت صادقا عزمت ولكن الفطان شديد     ولو كان لي عقل وإيقان موقن
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لما كنت عن قصد الطريق أحيد     ولا كان في شك اليقين مطامعي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولكن عن الأقدار كيف أحيد

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن شعره أيضا :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      داعيات الهوى تخف علينا     وخلاف الهوى علينا ثقيل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقد الصدق في الأماكن حتى     وصفه اليوم ما عليه دليل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لا نرى خائفا فيلزمنا الخو     ف ولا صادقا بما قد يقول
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فبقينا مذبذبين حيارى     نطلب الصدق ما إليه سبيل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 360 ] ومن شعره أيضا :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هون عليك فكل الأمر ينقطع     وخل عنك عنان الهم يندفع
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فكل هم له من بعده فرج     وكل كرب إذا ضاق يتسع
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إن البلاء وإن طال الزمان به     الموت يقطعه أو سوف ينقطع

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد أطال الحافظ ابن عساكر ترجمته ، ولم يؤرخ وفاته ، وإنما ذكرته هاهنا تقريبا ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية