الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 406 ] ذكر ثناء الأئمة على الإمام أحمد بن حنبل المعظم المبجل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال البخاري : لما ضرب أحمد بن حنبل كنا بالبصرة فسمعت أبا الوليد الطيالسي يقول : لو كان هذا في بني إسرائيل لكان أحدوثة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال إسماعيل بن الخليل : لو كان أحمد بن حنبل في بني إسرائيل لكان عجبا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال المزني : أحمد بن حنبل يوم المحنة ، وأبو بكر يوم الردة ، وعمر يوم السقيفة ، وعثمان يوم الدار ، وعلي يوم صفين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال حرملة : سمعت الشافعي يقول : خرجت من العراق فما خلفت بها رجلا أفضل ولا أعلم ولا أورع ولا أتقى من أحمد بن حنبل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 407 ] وقال شيخه يحيى بن سعيد القطان : ما قدم علي من بغداد أحد أحب إلي من أحمد بن حنبل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال قتيبة : مات سفيان الثوري ومات الورع ، ومات الشافعي وماتت السنن ، ويموت أحمد بن حنبل وتظهر البدع ، وفي رواية : قال قتيبة : إن أحمد بن حنبل قام في الأمة مقام النبوة . قال البيهقي : يعني في صبره على ما أصابه من الأذى في ذات الله ، عز وجل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو عمر ابن النحاس وذكر أحمد يوما فقال : رحمه الله في الدين ما كان أبصره ، وعن الدنيا ما كان أصبره ، وفي الزهد ما كان أخبره ، وبالصالحين ما كان ألحقه ، وبالماضين ما كان أشبهه ، عرضت له الدنيا فأباها ، والبدع فنفاها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال بشر بن الحارث الحافي بعدما ضرب أحمد بن حنبل : أدخل أحمد الكير فخرج ذهبا أحمر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 408 ] وقال الميموني : قال لي علي بن المديني بعدما امتحن أحمد ، وقبل أن يمتحن : يا ميموني ، ما قام أحد في الإسلام ما قام أحمد بن حنبل . فعجبت من هذا عجبا شديدا ، وذهبت إلى أبي عبيد القاسم بن سلام ، فحكيت له مقالة علي بن المديني ، فقال : صدق ، إن أبا بكر الصديق وجد يوم الردة أنصارا وأعوانا وإن أحمد بن حنبل لم يكن له أنصار ولا أعوان . ثم أخذ أبو عبيد يطري أحمد ويقول : لست أعلم في الإسلام مثله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال إسحاق بن راهويه : أحمد بن حنبل حجة بين الله وبين عبيده في أرضه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال علي بن المديني : إذا ابتليت بشيء فأفتاني أحمد بن حنبل لم أبال إذا لقيت ربي كيف كان . وقال علي أيضا : إني اتخذت أحمد بن حنبل حجة فيما بيني وبين الله عز وجل ، ثم قال : ومن يقوى على ما يقوى عليه أبو عبد الله ؟

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال يحيى بن معين أيضا : كان في أحمد بن حنبل خصال ما رأيتها في عالم قط ، كان محدثا ، وكان حافظا ، وكان عالما ، وكان ورعا ، وكان زاهدا ، وكان عاقلا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 409 ] وقال يحيى بن معين أيضا : أراد الناس منا أن نكون مثل أحمد بن حنبل ، والله ما نقوى أن نكون مثل أحمد ، ولا نطيق سلوك طريقه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال محمد بن يحيى الذهلي : اتخذت أحمد بن حنبل حجة فيما بيني وبين الله عز وجل . وقال هلال بن العلاء الرقي : من الله على هذه الأمة بأربعة : بالشافعي ، فهم الأحاديث وفسرها ، وبين المجمل من المفسر ، والخاص من العام ، والناسخ من المنسوخ ، وبأبي عبيد عرف الغريب وفسره ، وبيحيى بن معين نفى الكذب عن الأحاديث ، وبأحمد بن حنبل ثبت في المحنة ، لولا هؤلاء الأربعة لهلك الناس .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو بكر ابن أبي داود : أحمد بن حنبل مقدم على كل من حمل بيده قلما ومحبرة ; يعني في عصره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو بكر محمد بن محمد بن رجاء : ما رأيت مثل أحمد بن حنبل ، ولا رأيت من رأى مثله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 410 ] وقال أبو زرعة الرازي : ما أعرف في أصحابنا أسود الرأس أفقه منه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى البيهقي ، عن الحاكم ، عن يحيى بن محمد العنبري قال : أنشدنا أبو عبد الله البوشنجي في أحمد بن حنبل رحمه الله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إن ابن حنبل إن سألت إمامنا وبه الأئمة في الأنام تمسكوا     خلف النبي محمدا بعد الألى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كانوا الخلائف بعده واستهلكوا     حذو الشراك على الشراك وإنما
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يحذو المثال مثاله المتمسك

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله ، وهم كذلك قال عبد الله بن المبارك ، وأحمد بن حنبل ، وغيرهما : هم أهل الحديث .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى البيهقي عن أبي سعيد الماليني ، عن ابن عدي عن أبي القاسم البغوي ، عن أبي الربيع الزهراني ، عن حماد بن زيد ، عن بقية بن الوليد ، عن معان [ ص: 411 ] بن رفاعة ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري . ح قال البغوي : وحدثني زياد بن أيوب حدثنا مبشر ، عن معان عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين وهذا الحديث مرسل ، وإسناده فيه ضعف ، والعجب أن ابن عبد البر صححه ، واحتج به على عدالة كل من نسب إلى حمل العلم ، والإمام أحمد من أئمة أهل العلم ، رحمه الله ، وأكرم مثواه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية