الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      خلافة المكتفي بالله أبي محمد

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      علي ابن المعتضد بالله
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أمير المؤمنين ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بويع له بالخلافة بعد موت أبيه [ ص: 715 ] في ربيع الأول من هذه السنة وليس في الخلفاء من اسمه علي سوى هذا وعلي بن أبي طالب وليس فيهم من يكنى بأبي محمد إلا هذا ، والحسن بن علي بن أبي طالب والهادي والمستضيء بأمر بالله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحين ولي المكتفي كثرت الفتن وانتشرت في البلاد وفي رجب منها زلزلت الأرض زلزلة عظيمة جدا وفي رمضان تساقط وقت السحر من السماء نجوم كثيرة ولم يزل الأمر كذلك حتى طلعت الشمس ولما أفضت الخلافة إليه كان بالرقة فكتب إليه الوزير وأعيان الأمراء فركب فدخل بغداد في يوم مشهود وذلك يوم الإثنين لثمان خلون من جمادى الأولى من هذه السنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذا اليوم أمر بقتل عمرو بن الليث الصفار وكان معتقلا في سجن أبيه وأمر بتخريب المطامير التي كان اتخذها أبوه للسجن وأمر ببناء جامع مكانها وخلع في هذا اليوم على الوزير القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب ست خلع وقلده سيفا وكان عمره يوم ولي الخلافة خمسا وعشرين سنة وبعض شهر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة انتشرت القرامطة بعد موت المعتضد في الآفاق وقطعوا الطريق على الحجيج وتسمى بعضهم بأمير المؤمنين فبعث المكتفي إليهم جيوشا كثيرة وأنفق أموالا غزيرة حتى أطفأ الله بعض شرهم ، قبحهم الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة خرج محمد بن هارون عن طاعة إسماعيل بن أحمد الساماني وكاتبه أهل الرى بعد قتله محمد بن زيد الطالبي فصار إليهم فسلموا [ ص: 716 ] إليه البلد فاستحوذ عليها فقصده إسماعيل بن أحمد بالجيوش فقهره وأخرجه منها مذموما مدحورا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن الجوزي في " المنتظم " : وفي يوم التاسع من ذي الحجة منها صلى الناس العصر في زمن الصيف وعليهم ثياب الصيف فهبت ريح باردة جدا حتى احتاج الناس مع ذلك إلى الاصطلاء بالنار ولبسوا الفراء والمحشوات وجمد الماء كفصل الشتاء .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن الأثير : وكذا وقع بمدينة حمص قال : وهبت ريح عاصف بالبصرة فاقتلعت شيئا كثيرا من نخيلها وخسف بموضع منها فمات تحته ستة آلاف نسمة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن الأثير وابن الجوزي : وزلزلت بغداد في رجب من هذه السنة مرات متعددة ثم سكنت ، ولله الحمد والمنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك الهاشمي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية