الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      موت القائم الفاطمي وولاية ولده المنصور

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي رمضان من هذه السنة - والصحيح في شوال من التي بعدها - توفي القائم بأمر الله القاسم بن المهدي ، وقد عهد بالأمر من بعده لولده المنصور إسماعيل ، فكتم موت أبيه مدة حتى استقر أمره ، ثم أظهره . وقد كان أبو يزيد الخارجي قد حاربهم في هذه السنة ، وأخذ منهم مدنا كبارا ، وكسروه مرارا متعددة ، ثم يثور عليهم ، ويجمع الرجال ويقاتلهم بمن قدر عليه ، فانتدب المنصور لقتال أبي يزيد بنفسه ، وركب في الجيوش ، وجرت بينهم حروب يطول ذكرها ، وقد بسطها ابن الأثير في " كامله " . وقد انهزم في بعض الأحيان جيش المنصور عنه ، ولم يبق إلا في عشرين نفسا ، فقاتل بنفسه قتالا عظيما ، فهزم أبا يزيد بعدما كاد يقتله ، وثبت المنصور ثباتا عظيما ، فعظم في أعين [ ص: 164 ] الناس ، وزادت حرمته وهيبته ، واستنقذ بلاد القيروان منه ، وما زال يحاربه المنصور حتى ظفر به وقتله . ولما جيء برأسه سجد شكرا لله عز وجل ، وكان أبو يزيد هذا قبيح الشكل ، أعرج ، قصيرا ، خارجيا شديدا ، يرى تكفير أهل الملة ، قبحه الله في الدنيا والآخرة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ذي الحجة من هذه السنة قتل أبو الحسين البريدي وصلب ثم أحرق ، وذلك لأنه قدم بغداد يستنجد بتوزون وأبي جعفر بن شيرزاد على ابن أخيه ، فوعدوه النصر ، ثم شرع يفسد ما بين توزون وابن شيرزاد ، فعلم بذلك ابن شيرزاد ، فأمر بسجنه وضربه ، وأحضر له بعض الفقهاء فتيا عليها خطوط الفقهاء بإباحة دمه ، فاستظهر عليه بذلك وأمر بقتله وصلبه ، ثم أحرقه ، وانقضت أيام البريديين وزالت دولتهم ، لا جمع الله بهم شملا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها أخرج المستكفي بالله القاهر من دار الخلافة - الذي كان خليفة ، ثم سملت عيناه - وأنزله بدار ابن طاهر ، وقد افتقر القاهر حتى لم يبق له من اللباس سوى قطن جبة يلتف بها ، وفي رجله قبقاب من خشب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة ركب معز الدولة في رجب منها إلى واسط ليحاصرها ، فبلغ خبره إلى توزون فركب هو والمستكفي بالله ، فلما سمع بهم معز الدولة رجع عنها إلى بلاده ، وتسلمها الخليفة ، وضمنها أبو القاسم بن أبي عبد الله [ ص: 165 ] فضمنه توزون ثم رجع هو والخليفة إلى بغداد في شوال من هذه السنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها ركب سيف الدولة علي بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان إلى حلب فتسلمها من يأنس المؤنسي ، ثم سار إلى حمص ليأخذها ، فجاءته جيوش الإخشيد محمد بن طغج مع مولاه كافور ، فاقتتلوا ، فانهزم كافور الإخشيدي ، واستولى سيف الدولة على حمص ثم ركب إلى دمشق فحاصرها ، فلم يفتحها أهلها له ، فرجع عنها ، وقصده الإخشيد بجيوش كثيفة ، فالتقيا بقنسرين ، فلم يظفر أحد منهما بالآخر ، ورجع سيف الدولة إلى الجزيرة ثم عاد إلى حلب فاستقر ملكه بها ، فقصدته الروم في جحافل عظيمة ، فالتقى معهم ، فظفر بهم فقتل منهم خلقا كثيرا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية