الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو الحسين بن المنادي ، أحمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله بن يزيد

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 195 ] سمع جده وعباسا الدوري ومحمد بن إسحاق الصاغاني . وكان ثقة أمينا حجة صادقا ، صنف كثيرا ، وجمع علوما جمة ، ولم يسمع الناس منها إلا اليسير ، وذلك لشراسة أخلاقه ، وآخر من روى عنه محمد بن فارس الغوري .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ونقل ابن الجوزي ، عن أبي يوسف القزويني أنه قال : صنف أبو الحسين بن المنادي في علوم القرآن أربعمائة كتاب ونيفا وأربعين كتابا ، ولا يوجد في كلامه حشو ، بل هو نقي الكلام ، جمع بين الرواية والدراية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن الجوزي : ومن وقف على مصنفاته ، علم فضله واطلاعه ، ووقف على فوائد لا توجد في غير كتبه . كانت وفاته في محرم من هذه السنة عن ثمانين سنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الصولي محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس بن محمد بن صول أبو بكر الصولي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان أحد العلماء بفنون الأدب ، حسن المعرفة بأخبار الملوك وأيام الخلفاء ومآثر الأشراف وطبقات الشعراء . روى عن أبي داود السجستاني والمبرد وثعلب وأبي العيناء وغيرهم ، وكان واسع الرواية ، جيد الحفظ ، حاذقا بتصنيف الكتب . وله كتب كثيرة هائلة ، ونادم جماعة من الخلفاء ، وحظي عندهم . وكان جده صول وأهله ملوكا بجرجان ، ثم كان أولاده من أكابر [ ص: 196 ] الكتاب . وكان الصولي هذا جيد الاعتقاد ، حسن الطريقة ، وله شعر حسن ، وقد روى عنه الدارقطني وغيره من الحفاظ .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن شعره قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أحببت من أجله من كان يشبهه وكل شيء من المعشوق معشوق     حتى حكيت بجسمي ما بمقلته
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كأن سقمي من عينيه مسروق

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      خرج الصولي من بغداد إلى البصرة لحاجة لحقته ، فمات بها في هذه السنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها كانت وفاة ابنة الشيخ أبي الحسن الزاهد المكي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكانت من العابدات الناسكات المقيمات بمكة ، وإنما كانت تقتات من كسب أبيها ، مما كان يكتسبه من عمل الخوص في كل سنة بثلاثين درهما يرسلها إليها ، فاتفق أن أرسلها مرة مع بعض أصحابه ، فزاد عليها ذلك الرجل عشرين درهما - يريد بذلك برها وزيادة في نفقتها - فلما اختبرتها قالت : هل وضعت على هذه شيئا ؟ اصدقني بحق الذي حججت له . فقال : نعم . فقالت : ارجع بها ، فلا حاجة لي فيها ، ولولا أنك قصدت الخير لدعوت عليك ; فإنك قد أجعتني عامي هذا ، ولم يبق لي رزق إلا من المزابل إلى قابل . فقلت : ألا تأخذي منها الثلاثين درهما . فقالت : إنها قد اختلطت بمالك ، ولا أدري ما هو . قال الرجل : فرجعت بها إلى أبيها ، فأبى أن يقبلها ، وقال : شققت يا هذا علي ، وضيقت عليها ، ولكن اذهب فتصدق بها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية