الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 348 ] ملك المعز الفاطمي دمشق ، وانتزاعه إياها من يد القرامطة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لما انهزم القرمطي وأصحابه ، بعث المعز سرية ، عليهم ظالم بن موهوب العقيلي أميرا على دمشق فتسلمها من القرامطة بعد حصار شديد ، واعتقل متوليها أبا المنجا القرمطي وابنه ، واعتقل رجلا يقال له : أبو بكر من أهل نابلس كان يتكلم في الفاطميين ، ويقول : لو كان معي عشرة أسهم لرميت الروم بسهم ورميت المغاربة - يعني الفاطميين - بتسعة . فسلخ بين يدي المعز ، وحشي جلده تبنا ، وصلب بعد ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولما تفرغ أبو محمود القائد من قتال القرامطة أقبل نحو دمشق فخرج إليه ظالم بن موهوب ، فتلقاه إلى ظاهر البلد ، وأكرمه وأنزله ظاهر دمشق فأفسد أصحابه في الغوطة والمرج ونهبوا الفلاحين ، وقطعوا الطرقات على الناس ، وتحول أهل الغوطة إلى البلد من كثرة النهب ، وجيء بجماعة من القتلى فألقوا في الجامع ، فكثر الضجيج ، وغلقت الأسواق ، واجتمعت العامة للقتال ، والتقوا مع المغاربة ، فقتل من الفريقين جماعة ، وانهزمت العامة غير مرة ، وأحرقت المغاربة [ ص: 349 ] ناحية باب الفراديس ، فاحترق شيء كثير من الأموال والدور ولبثت الحرب بينهم إلى سنة أربع وستين ، وأحرق البلد مرة أخرى بعد عزل ظالم بن موهوب وتولية جيش بن صمصامة ابن أخت أبي محمود ، قبحه الله ، وقطعت القنوات وسائر المياه عن البلد ، ومات كثير من الفقراء في الطرقات من الجوع والعطش ، ولم يزل الحال كذلك حتى ولي عليهم الطواشي ريان الخادم ، من جهة المعز ، فسكنت الأمور ، ولله الحمد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولما قويت الأتراك ببغداد تحير عز الدولة بختيار بن معز الدولة في أمره ، وما يصنع ، وهو بالأهواز ، فأرسل إلى عمه ركن الدولة يستنجده ، فأرسل إليه بعسكر مع وزيره أبي الفتح بن العميد ، وأرسل إلى ابن عمه عضد الدولة بن ركن الدولة ، فتباطأ عليه ، وأرسل إلى عمران بن شاهين فلم يجبه ، وأرسل إلى أبي تغلب بن حمدان ، فأظهر نصره وإنما يريد في الباطن أخذ بغداد وخرجت الأتراك من بغداد في جحفل كثير ، ومعهم الخليفة الطائع وأبوه المطيع ، فلما انتهوا إلى واسط توفي المطيع لله وبعد أيام توفي سبكتكين أيضا ، فحملا إلى بغداد فالتفت الترك على أمير يقال له : أفتكين ، فاجتمع شملهم ، والتقوا مع بختيار فضعف أمره جدا ، وقوي عليه ابن عمه عضد الدولة ، فأخذ منه ملك العراق ، وتمزق شمله ، وتفرق أمره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها خطب للمعز الفاطمي بالحرمين مكة والمدينة النبوية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 350 ] وفيها خرج جمع من بني هلال وطائفة من العرب على الحجاج ، فقتلوا منهم خلقا كثيرا ، وعطلوا على من بقي منهم الحج في هذا العام .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها انتهى تاريخ ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة وأوله من أول دولة المقتدر سنة خمس وتسعين ومائتين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها كانت زلزلة شديدة بواسط .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحج بالناس في هذه السنة الشريف أبو أحمد الموسوي ، ولم يحصل لأحد حج في هذه السنة سوى من كان معه على درب العراق ، وقد أخذ بالناس على طريق المدينة فتم حجهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية