الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو أحمد العسكري اللغوي ، وهو الحسن بن عبد الله بن سعيد ، أبو أحمد العسكري اللغوي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      العلامة في فنه وتصانيفه المفيد في اللغة وغيرها ، يقال : إنه كان يميل إلى المعتزلة ، ولما قدم الصاحب بن عباد هو وفخر الدولة البلدة التي كان فيها أبو أحمد العسكري - وقد كبر وأسن - بعث إليه الصاحب بن عباد برقعة فيها هذه الأبيات :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولما أبيتم أن تزوروا وقلتم ضعفنا فما نقوى على الوخدان     أتيناكم من بعد أرض نزوركم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فكم من منزل بكر لنا وعوان     نناشدكم هل من قرى لنزيلكم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بطول جوار لا بملء جفان

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 471 ] فكتب العسكري الجواب في ظهرها :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أروم نهوضا ثم يثني عزيمتي     تعوذ أعضائي من الرجفاني
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فضمنت بيت ابن الشريد كأنما     تعمد تشبيهي به وعناني
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أهم بأمر الحزم لو أستطيعه     وقد حيل بين العير والنزوان

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم تحامل وركب بغلته ، وصار إلى الصاحب ، فوجده مشغولا في خيمته بأبهة الوزارة ، فصعد أكمة ، ثم نادى بأعلى صوته متمثلا بقول أبي تمام :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ما لي أرى القبة الفيحاء مقفلة     دوني وقد طال ما استفتحت مقفلها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كأنها جنة الفردوس معرضة     وليس لي عمل زاك فأدخلها

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلما سمع الصاحب صوته ناداه : ادخلها يا أبا أحمد ، فلك السابقة الأولى ، فلما صار إليه وقدم عليه أكرمه وعظمه وأحسن إليه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      توفي العسكري في يوم التروية من هذه السنة ، وقال ابن خلكان : ولد سنة ثلاث وتسعين ومائتين ، وتوفي سنة ثنتين وثمانين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 472 ] عبد الله بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبيد الله بن زياد بن مهران ، أبو القاسم الشاهد ، المعروف بابن الثلاج

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لأن جده أهدى لبعض الخلفاء ثلجا ، فوقع منه موقعا ، فعرف عند الخليفة بالثلاج ، وقد سمع أبو القاسم هذا من البغوي وابن صاعد وابن أبي داود ، وحدث عن التنوخي والأزهري والعتيقي وغيرهم من الحفاظ . قال ابن الجوزي : وقد اتهمه المحدثون ، منهم الدارقطني ، ونسبوه إلى أنه كان يركب الإسناد ، ويضع الحديث على الرجال ، فالله أعلم ، وكانت وفاته في ربيع الأول فجأة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ابن زولاق ، الحسن بن إبراهيم بن الحسين بن الحسن بن علي بن خلف بن راشد بن عبد الله بن سليمان بن زولاق ، أبو محمد المصري الحافظ

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صنف كتابا في قضاة مصر ، ذيل به على كتاب أبي عمر محمد بن يوسف بن يعقوب الكندي في ذلك ، انتهى الكندي إلى سنة ست وأربعين ومائتين ، وذيل ابن زولاق من القاضي بكار إلى سنة ست وثمانين وثلاثمائة ، مبلغا به أيام محمد بن النعمان قاضي العبيديين ، وأظنه مصنف كتاب " البلاغ " الذي انتصب فيه للرد عليه القاضي الباقلاني ، أو هو مصنفه عبد العزيز بن النعمان ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكانت وفاة ابن زولاق في أواخر ذي القعدة من هذه السنة عن إحدى [ ص: 473 ] وثمانين سنة ، رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ابن بطة ، عبيد الله بن محمد بن حمدان ، أبو عبد الله العكبري

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      المعروف بابن بطة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ، أحد علماء الحنابلة ، وله الكتب والتصانيف الكثيرة الحافلة في فنون من العلم ، سمع الحديث من البغوي ، وأبي بكر النيسابوري وابن صاعد وخلق في أقاليم متعددة ، وعنه جماعة من الحفاظ ; منهم أبو الفتح بن أبي الفوارس والأزجي والبرمكي ، وأثنى عليه غير واحد من الأئمة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان ممن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وقد رأى بعضهم في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله قد اختلفت علي المذاهب ، فقال : عليك بأبي عبد الله بن بطة ، فلما أصبح ذهب إليه ليبشره بالمنام فحين رآه ابن بطة تبسم إليه ، وقال له قبل أن يخاطبه : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثلاث مرات .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد تصدى الخطيب البغدادي للكلام في ابن بطة والطعن فيه ; بسبب ادعائه سماع " السنن " لرجاء بن مرجى و " معجم البغوي " ، وأسند بعض الجرح فيه إلى شيخه عبد الواحد بن علي الأسدي المعروف بابن برهان اللغوي ، فانتدب ابن الجوزي للرد على الخطيب ، والطعن عليه أيضا ، بسبب بعض مشايخه ، والانتصار لابن بطة ، فحكى عن أبي الوفاء بن عقيل أن ابن برهان كان يرى مذهب مرجئة المعتزلة في أن الكفار لا يخلدون في النار ، وقالوا : لأن دوام ذلك ممن لا يتشفى لا معنى له هنا ، مع أنه قد وصف نفسه بأنه أرحم الراحمين ، ثم شرع ابن عقيل [ ص: 474 ] يرد على ابن برهان . قال ابن الجوزي : فكيف يقبل الجرح والتعديل من مثل هذا ؟ !

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم روى ابن الجوزي بسنده عن ابن بطة أنه سمع " المعجم " من البغوي ، قال : والمثبت مقدم على النافي ، قال الخطيب : وحدثني عبد الواحد بن برهان ، قال : قال محمد بن أبي الفوارس : روى ابن بطة عن البغوي ، عن أبي مصعب ، عن مالك ، عن الزهري ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب العلم فريضة على كل مسلم . قال الخطيب : وهذا باطل من حديث مالك ، والحمل فيه على ابن بطة . قال ابن الجوزي : وجواب هذا من وجهين ، أحدهما : أنه وجد بخط ابن برهان أن ما حكاه عنه الخطيب من القدح في ابن بطة باطل ، وهو شيخي أخذت عنه العلم في البداية ، الثاني : أن ابن برهان قد تقدم القدح فيه بما خالف فيه الإجماع ، فكيف قبلت القول في رجل قد حكيت عن مشايخ العلماء ، أنه رجل صالح مجاب الدعوة ، نعوذ بالله من الهوى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      علي بن عبد العزيز بن مدرك ، أبو الحسن البرذعي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      روى عن أبي حاتم وغيره ، وكان كثير المال ، فترك الدنيا ، وأقبل على الاعتكاف في المسجد ، وكثرة الصلاة والعبادة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فخر الدولة علي بن ركن الدولة بن بويه الديلمي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ملك بلاد الري ونواحيها ، وحين مات أخوه مؤيد الدولة ، كتب الصاحب بن عباد بالإسراع إليه ، [ ص: 475 ] فولاه الملك بعد أخيه ، واستوزر ابن عباد على ما كان عليه في أيام أخيه مؤيد الدولة . توفي عن ست وأربعين سنة ، منها مدة ملكه ثلاث عشرة سنة وعشرة أشهر وسبعة عشر يوما ، وترك من الأموال شيئا كثيرا ; من ذلك من الذهب ما يقارب ثلاثة آلاف ألف دينار ، ومن الجواهر نحوا من خمسة عشر ألف قطعة ، يقارب قيمتها ثلاث آلاف ألف دينار ، وغير ذلك من أواني الذهب زنته ألف ألف دينار ، ومن الفضة زنته ثلاثة آلاف ألف درهم ، ومن الثياب ثلاثة آلاف حمل ، وخزانة السلاح ألفا حمل ، ومن الفرش ألف وخمسمائة حمل ، ومن الأمتعة ما يليق بالملوك ، ومع هذا ليلة توفي لم يكن لهم وصول إلى شيء من المال ، ولم يحصل له كفن إلا ثوب رجل من المجاورين في المسجد ، واشتغلوا عنه بالملك حتى تم لولده رستم من بعده ، فأنتن الملك ، ولم يتمكن أحد من الوصول إليه ، فربطوه في حبال وجروه على درج القلعة ، فتقطع ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ابن سمعون الواعظ ، محمد بن أحمد بن إسماعيل أبو الحسين بن سمعون الواعظ

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أحد الصلحاء والعلماء ، وكان يقال له : الناطق بالحكمة ، روى عن أبي بكر بن أبي داود وطبقته ، وكان له يد طولى في الوعظ والتدقيق في المعاملات ، وكانت له كرامات ومكاشفات ، كان يوما يعظ الناس على المنبر ، وتحته أبو الفتح بن القواس ، وكان من الصالحين المشهورين ، فنعس ابن القواس ، فأمسك ابن سمعون عن الوعظ حتى استيقظ ، فحين استيقظ [ ص: 476 ] قال ابن سمعون : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامك هذا ؟ قال : نعم ، قال : فلهذا أمسكت عن الوعظ حتى لا أزعجك عما كنت فيه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان لرجل ابنة مريضة مدنفة ، فرأى أبوها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقول له : اذهب إلى ابن سمعون ليأتي منزلك فيدعو لابنتك وهي تبرأ بإذن الله تعالى ، فلما أصبح ذهب إلى ابن سمعون ليأتي ، فلما رآه ، نهض ولبس ثيابه وخرج معه ، فظن الرجل أنه يذهب إلى مجلس وعظه ، فقال : أقول له في أثناء الطريق ، فلما مر بدار الرجل دخل إليها الشيخ ، فأحضر إليه ابنته ، فدعا لها وانصرف ، فبرأت من ساعتها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وبعث إليه الخليفة الطائع لله من أحضره وهو مغضب ، فخيف على ابن سمعون منه ، فلما جلس بين يديه أخذ في الوعظ ، وكان أكثر ما أورده من كلام علي بن أبي طالب فبكى الخليفة حتى سمع شهيقه ، ثم خرج من بين يديه وهو مكرم ، فقيل للخليفة : رأيناك طلبته وأنت غضبان ، فقال : بلغني أنه يتنقص عليا ، فأردت أن أعاقبه ، فلما حضر أكثر من ذكر علي ، فعلمت أنه موفق ، قد كوشف بما كان في خاطري عليه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ورأى بعضهم في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى جانبه عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، وهو يقول : أليس من أمتي الأحبار ؟ أليس من أمتي الرهبان ؟ أليس من أمتي أصحاب الصوامع ؟ فبينا هما كذلك إذ دخل ابن سمعون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أفي أمتك مثل هذا ؟ فسكت عيسى عليه السلام .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان مولد ابن سمعون في سنة ثلاثمائة ، وتوفي يوم الخميس الرابع عشر من [ ص: 477 ] ذي القعدة في هذه السنة ، ودفن بداره ، قال ابن الجوزي : ثم أخرج بعد سنين إلى مقبرة أحمد ، وأكفانه لم تبل ، رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      آخر ملوك السامانية نوح بن منصور بن نوح بن نصر بن أحمد بن إسماعيل ، أبو القاسم الساماني

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ملك خراسان وغزنة وما وراء النهر ، ولي الملك وله ثلاث عشرة سنة ، واستمر في الملك إحدى وعشرين سنة وتسعة أشهر ، ثم قبض عليه خواصه ، وأجلسوا أخاه عبد الملك مكانه ، فقصدهم محمود بن سبكتكين ، فانتزع الملك من أيديهم ، وقد كان لهم في الملك مائة سنة وسنتين وشهورا ، فباد ملكهم في هذا العام ، ولله النقض والإبرام .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان بن محمد بن سليمان الصعلوكي الفقيه الشافعي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إمام أهل نيسابور وشيخ تلك الناحية ، كان يحضر في مجلسه نحو من خمسمائة محبرة ، وكانت وفاته في هذه السنة على المشهور ، وقال الحافظ أبو يعلى الخليلي في " الإرشاد " : إنه مات في سنة ثنتين وأربعمائة ، فالله تعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية