الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفة مقتله ، لعنه الله

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان قد تعدى شره إلى الناس حتى إلى أخته ، يتهمها بالفاحشة ، ويسمعها [ ص: 585 ] أغلظ الكلام ، فتبرمت منه ، وعملت على قتله ، فراسلت فيه أكبر الأمراء ، يقال له : ابن دواس ، فتوافقت هي وهو على قتله ، وتواطآ على ذلك ، فجهز من عنده عبدين أسودين من عبيده شهمين ، فقالت لهما : إذا كان في الليلة الفلانية فكونا بجبل المقطم ، ففي تلك الليلة يكون الحاكم هناك في الليل لينظر في النجوم ، وليس معه أحد إلا ركابي وصبي ، فاقتلاه واقتلاهما معه . واتفق الحال على ذلك وتقرر ، فلما كانت تلك الليلة قال الحاكم لأمه : علي في هذه الليلة قطع عظيم ، فإن نجوت منه عمرت نحوا من ثمانين سنة ، ومع هذا فانقلي حواصلي إليك ، فإن أخوف ما أخاف عليك من أختي ، فنقل حواصله إلى أمه ، وكان له في صناديق قريب من ثلاثمائة ألف دينار وجواهر ، فقالت له أمه : يا مولانا ، إذا كان الأمر كما تقول فارحمني ولا تركب في ليلتك هذه إلى موضع وكان يحبها ، فقال : أفعل . وكان من عادته أن يدور حول القصر كل ليلة ، فدار ثم عاد إلى القصر ، فنام إلى قريب من ثلث الليل الأخير ، فاستيقظ ، وقال : إن لم أركب الليلة فاضت نفسي . فركب فرسا وصحبه صبي ، وصعد الجبل المقطم فاستقبله ذانك العبدان ، فأنزلاه عن مركوبه ، وقطعا يديه ورجليه ، وبقرا جوفه ، وحملاه فأتيا به مولاهما ابن دواس ، فحمله إلى أخته ، فدفنته في مجلس دارها ، واستدعت الأمراء والأكابر والوزير ، وقد أطلعته على الحيلة ، فبايعهم لولد الحاكم أبي الحسن علي ، ولقب بالظاهر لإعزاز دين الله . وكان بدمشق ، فاستدعت به وجعلت تقول للناس : إن الحاكم قال لي : إنه يغيب سبعة أيام ثم يعود . فاطمأن الناس ، وجعلت ترسل ركابيين يصعدون الجبل ويجيئون ويقولون : تركناه بالموضع الفلاني . ويقول الذين بعدهم : تركناه في [ ص: 586 ] موضع كذا . حتى اطمأن الناس ، وقدم ابن أخيها وقد استصحب معه من تنيس ألف ألف دينار وألفي ألف درهم ، فحين وصل ألبسته تاج المعز جد أبيه ، وحلة عظيمة ، وأجلسته على السرير ، وبايعه الأمراء والرؤساء ، وأطلق لهم الأموال الجزيلة ، وخلعت على ابن دواس خلعة سنية هائلة ، وعملت عزاء أخيها الحاكم ثلاثة أيام ، ثم أرسلت إلى ابن دواس طائفة من الجند ليكونوا بين يديه بسيوفهم وقوفا في خدمته ، ثم أمرتهم في بعض الأيام أن يقولوا له : أنت قاتل مولانا ، ثم يهبرونه بسيوفهم ، ففعلوا ذلك ، وقتلت كل من اطلع على سرها في قتل أخيها ، فعظمت هيبتها ، وقويت حرمتها ، وثبتت دولتها . وقد كان عمر الحاكم حين قتل سبعا وثلاثين سنة ، كانت مدة ملكه من ذلك خمسا وعشرين سنة ، لعنه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية