الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      خلافة القائم بالله

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبي جعفر عبد الله بن القادر بالله
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ، بويع له بالخلافة لما توفي أبوه القادر بالله [ ص: 637 ] أبو العباس أحمد بن المقتدر بالله بن المعتضد بن الأمير أبي أحمد الموفق بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد بن المهدي بن المنصور ، في ليلة الاثنين الحادي عشر من ذي الحجة من هذه السنة عن ست وثمانين سنة وعشرة أشهر وأحد وعشرين يوما ، ولم يعمر أحد من الخلفاء قبله هذا العمر ولا بعده ، من ذلك في الخلافة إحدى وأربعون سنة وثلاثة أشهر ، وهذا أيضا شيء لم يسبقه أحد إليه ، وأمه أم ولد اسمها تمني ، مولاة عبد الواحد بن المقتدر ، وقد كان رحمه الله محبا لأهل العلم والدين والصلاح ، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وكان على طريقة السلف في الاعتقاد ، وله في ذلك مصنفات كانت تقرأ على الناس ، وكان أبيض ، حسن الجسم ، طويل اللحية عريضها يخضبها ، وكان يقوم الليل ، كثير الصدقة ، محبا للسنة وأهلها ، يبغض البدعة والقائمين بها ، وكان يكثر الصوم ، ويبر الفقراء من أقطاعه ، يبعث منه إلى المجاورين بجامع المنصور وجامع الرصافة ، وكان يخرج من داره في زي العامة ، فيزور قبور الصالحين ، وقد ذكرنا طرفا صالحا من سيرته عند ذكر ولايته في سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة ، وجلسوا في عزائه سبعة أيام لعظم المصيبة به ، ولتوطيد البيعة لولده القائم بالله أبي جعفر عبد الله بن القادر ، وأمه قطر الندى أرمنية ، أدركت خلافته . وكان مولده يوم الجمعة الثامن عشر من ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة ، وكانت بيعته بحضرة القضاة والأمراء والكبراء والأعيان ، وكان أول من بايعه الشريف المرتضى وأنشده أبياتا :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 638 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فإما مضى جبل وانقضى فمنك لنا جبل قد رسا     وإما فجعنا ببدر التمام
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقد بقيت منه شمس الضحى     لنا حزن في محل السرور
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فكم ضحك في خلال البكا     فيا صارما أغمدته يد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لنا بعدك الصارم المنتضى     ولما حضرناك عقد البياع
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عرفنا بهديك طرق الهدى     فقابلتنا بوقار المشيب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كمالا وسنك سن الفتى

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      طالبته الأتراك برسم البيعة ، فلم يكن مع الخليفة شيء ; لأن أباه لم يترك مالا ، فكادت الفتنة تقع بين الناس بسبب ذلك ، حتى دفع عنه الملك جلال الدولة مالا جزيلا ، نحوا من ثلاثة آلاف ألف دينار ، واستوزر الخليفة أبا طالب محمد بن أيوب ، واستقضى ابن ماكولا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولم يحج أحد من أهل المشرق سوى شرذمة خرجوا من الكوفة مع العرب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية