الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فتح الإسكندرية على يدي أسد الدين شيركوه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم سار أسد الدين شيركوه بعد كسر الفرنج والمصريين إلى الإسكندرية فملكها وجبى أموالها ، واستناب عليها ابن أخيه صلاح الدين يوسف وعاد إلى الصعيد فملكه ، وجمع منه أموالا جزيلة جدا ، فلله الحمد والمنة ثم إن الفرنج والمصريين اجتمعوا على حصارالإسكندرية ثلاثة أشهر لينتزعوها من يد صلاح الدين ، وذلك في غيبة عمه في الصعيد وامتنع بها صلاح الدين ومن معه أشد الامتناع ، ولكن ضاقت عليهم الأقوات وضاق عليهم الحال جدا ، فسار إليهم أسد الدين شيركوه - أيده الله - فصالحه شاور الوزير عن الإسكندرية بخمسين ألف دينار فأجابه ، إلى ذلك وخرج صلاح الدين منها وسلمها إلى المصريين وعاد إلى الشام في منتصف شوال ، وذي القعدة وقرر شاور للفرنج على مصر في كل سنة مائة ألف دينار ، وأن يكون لهم شحنة بالقاهرة ، وعاد الفرنج إلى بلادهم بعد أن كان الملك نور الدين محمود بن زنكي قد عقبهم في بلادهم ، وافتتح حصونا كثيرة من بلادهم ، وقتل خلقا من رجالهم ، وأسر أمما من [ ص: 423 ] نسائهم وأطفالهم ، وغنم شيئا كثيرا من أمتعتهم وأموالهم ، ولله الحمد ، وكان معه أخوه قطب الدين مودود فأطلق له الرقة ، فسار فتسلمها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة في شعبان منها كان قدوم العماد الكاتب من بغداد إلى دمشق وهو أبو حامد محمد بن محمد الأصبهاني ، صاحب " الفتح القدسي " و " البرق الشامي " و " الخريدة " وغير ذلك من المصنفات ، فأنزله قاضي القضاة كمال الدين الشهرزوري بالمدرسة النورية الشافعية داخل باب الفرج ، فنسبت إليه لسكناه بها ، فيقال لها : العمادية ، ثم ولي تدريسها في سنة سبع وستين بعد الشيخ الفقيه ابن عبد ، وأول من جاء للسلام عليه نجم الدين أيوب ; كانت له به معرفة من تكريت ، فامتدحه العماد بقصيدة ذكرها الشيخ شهاب الدين أبو شامة ، وكان أسد الدين شيركوه وصلاح الدين يوسف بمصر فبشره فيها بولاية صلاح الدين الديار المصرية حيث يقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ويستقر بمصر يوسف وبه تقر بعد التنائي عين يعقوب     ويلتقي يوسف فيها بإخوته
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والله يجمعهم من غير تثريب

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم ولي العماد كتابة الإنشاء للملك نور الدين ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية