الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فتح بلاد النوبة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها أرسل السلطان صلاح الدين أخاه شمس الدولة تورانشاه إلى بلاد النوبة فافتتحها ، واستحوذ على معقلها ، وهو حصن يقال له : إبريم . ولما رآها بلدا قليلة الجدوى لا يفي خراجها بكلفتها ، استخلف على الحصن المذكور رجلا من الأكراد يقال له : إبراهيم . فجعله مقدما مقررا بحصن إبريم ، وانضاف إليه جماعة من الأكراد البطالين ، فكثرت أموالهم وحسنت حالهم هنالك وشنوا الغارات وحصلوا على الغنائم والمسرات ، ولله الحمد الذي بنعمته تتم الصالحات .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها كانت وفاة الأمير نجم الدين أيوب والد الملك صلاح الدين ، سقط عن فرسه فمات وستأتي ترجمته في الوفيات ، إن شاء الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها سار الملك نور الدين إلى بلاد عز الدين قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان بن سليمان السلجوقي ، ملك الروم وافتقد في طريقه بلاده ، وأصلح ما وجده فيها من الخلل . ثم سار فافتتح مرعش وبهسنا ، وعمل في كل منهما بالحسنى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال العماد الكاتب : وفي هذه السنة وصل الفقيه الإمام الكبير قطب الدين [ ص: 465 ] النيسابوري ، وهو فقيه عصره ونسيج وحده ، فسر به نور الدين وأنزله بحلب بمدرسة باب العراق ، ثم أطلعه إلى دمشق فدرس بزاوية الجامع الغربية المعروفة بالشيخ نصر المقدسي ، ونزل بمدرسة الجاروخية ، وشرع نور الدين في إنشاء مدرسة كبيرة للشافعية ، فأدركه الأجل قبل ذلك . قال أبو شامة : هي العادلية الكبيرة التي عمرها بعده الملك العادل أبو بكر بن أيوب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها عاد شهاب الدين بن أبي عصرون من بغداد حين سار بالهناء بالخطبة العباسية بالديار المصرية ، ومعه توقيع من الخليفة بإقطاع درب هارون وصريفين للملك نور الدين ، وقد كانتا قديما لأبيه عماد الدين زنكي ، فأراد الملك نور الدين أن يبني ببغداد مدرسة على دجلة ، ويجعل هذين المكانين وقفا عليها فعاقه القدر عن ذلك ، رحمه الله . وفيها جرت بناحية خوارزم حروب كثيرة بين سلطانشاه وبين أعدائه تقصاها ابن الأثير وابن الساعي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها هزم ملك الأرمن مليح بن ليون عساكر الروم ، وغنم منهم شيئا كثيرا ، وبعث إلى نور الدين بأموال كثيرة من ذلك ، وبثلاثين رأسا من رءوسهم ، فأرسلها نور الدين إلى الخليفة المستضيء بأمر الله العباسي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها بعث صلاح الدين سرية صحبة قراقوش مملوك تقي الدين عمر بن شاهنشاه إلى بلاد إفريقية ، فملكوا طائفة كثيرة منها من ذلك مدينة طرابلس الغرب وعدة مدن معها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية