الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي في هذه السنة من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عبد الله بن أسعد الموصلي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الفقيه مهذب الدين ، عبد الله بن أسعد الموصلي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مدرس حمص وكان [ ص: 572 ] بارعا في فنون ، ولا سيما في الشعر والأدب ، وقد أثنى عليه العماد ، والشيخ شهاب الدين أبو شامة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الأمير ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صاحب حمص والرحبة ، وهو ابن عم السلطان صلاح الدين ، وزوج أخته ست الشام بنت أيوب ، كانت وفاته بحمص فنقلته زوجته ست الشام إلى تربتها بالمدرسة الشامية البرانية ، فقبره هو الأوسط بينها وبين أخيها المعظم تورانشاه صاحب اليمن ، وقد خلف ناصر الدين محمد من الأموال والذخائر شيئا كثيرا ، ينيف على ألف ألف دينار . وكانت وفاته يوم عرفة فجأة ، فولي من بعده مملكة حمص ولده أسد الدين شيركوه بأمر السلطان ، أيده الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمود بن أحمد بن علي بن إسماعيل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ابن عبد الرحيم الشيخ جمال الدين أبو الثناء المحمودي بن الصابوني ;
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لأن جد أمه الشيخ أبو عثمان الصابوني ، كان أحد الأئمة المشاهير ، وإنما يقال له : المحمودي . لصحبة جده السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه ، فقدم الشيخ جمال الدين هذا الشام في أيام السلطان نور الدين محمود بن زنكي فأكرمه واحترمه ، ثم سار إلى [ ص: 573 ] مصر فنزلها ، وكان صلاح الدين يكرمه أيضا ، ووقف عليه وعلى ذريته أرضا ، فهي لهم إلى الآن .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الأمير الكبير سعد الدين مسعود بن معين الدين

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان من الأمراء الكبار أيام نور الدين وصلاح الدين ، وهو أخو الست خاتون ، وحين تزوجها صلاح الدين زوجه أخته الست ربيعة خاتون بنت أيوب ، التي تنسب إليها المدرسة الصلاحية بالسفح على الحنابلة ، وقد تأخرت مدتها فتوفيت في سنة ثلاث وأربعين وستمائة ، وكانت آخر من بقي من أولاد أيوب لصلبه ، وكانت وفاته بدمشق في جمادى الآخرة من جرح أصابه وهو في حصار ميافارقين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الست خاتون عصمة الدين

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بنت معين الدين
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      نائب دمشق وأتابك عسكرها قبل نور الدين ، كما تقدم ، وقد كانت زوجة نور الدين ، رحمه الله ، ثم خلف عليها من بعده صلاح الدين في سنة ثنتين وسبعين وخمسمائة ، وكانت من أحسن النساء وأعفهن وأكثرهن صدقة ، وهي واقفة الخاتونية الجوانية بمحلة حجر الذهب ، وخانقاه خاتون ظاهر باب النصر في أول الشرف القبلي على بانياس ودفنت بتربتها في سفح قاسيون قريبا من قباب الشركسية ، وإلى جنبها دار الحديث الأشرفية والأتابكية ، ولها أوقاف كثيرة غير ذلك ، وأما [ ص: 574 ] الخاتونية البرانية التي على القنوات بمحلة صنعاء الشام ويعرف ذلك المكان التي هي فيه بتل الثعالب ، فهي من إنشاء الست زمرد خاتون بنت جاولي ، وهي أخت الملك دقاق لأمه ، وكانت زوجة زنكي والد نور الدين محمود ، صاحب حلب وقد ماتت قبل هذا الحين كما تقدم ، رحمها الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الحافظ الكبير أبو موسى المديني

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن عمر بن أحمد الأصبهاني ، الحافظ أبو موسى المديني ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أحد حفاظ الدنيا الرحالين الجوالين له مصنفات عديدة ، وشرح أحاديث كثيرة ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      السهيلي أبو القاسم


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو القاسم وأبو زيد ، عبد الرحمن بن الخطيب أبي محمد عبد الله بن الخطيب أبي عمر أحمد بن أبي الحسن أصبغ بن حسين بن سعدون بن رضوان بن فتوح - هو الداخل إلى الأندلس - الخثعمي السهيلي حكى القاضي ابن خلكان ، عن ابن دحية أنه أملى عليه نسبه ، كذلك قال ابن خلكان والسهيلي نسبة إلى قرية بالقرب من مالقة ، اسمها سهيل ; لأنه لا يرى سهيل النجم في شيء من تلك البلاد إلا من رأس جبل شاهق عندها . ولد السهيلي سنة ثمان وخمسمائة ، وقرأ القراءات واشتغل ، وحصل حتى برع وساد أهل زمانه [ ص: 575 ] بقوة القريحة وجودة الذهن ، وحسن التصانيف ، وكان ضريرا مع ذلك . له كتاب " الروض الأنف " يذكر فيه نكتا حسنة على السيرة لم يسبق إلى أشياء كثيرة منها ، وله كتاب " الإعلام فيما أبهم في القرآن من الأسماء الأعلام " ، وكتاب " نتائج الفكر " ، ومسألة في الفرائض بديعة ، ومسألة في السر في كون الدجال أعور ، وأشياء كثيرة فريدة بديعة مفيدة ، وله أشعار حسنة ، وكان عفيفا فقيرا ، وقد حصل له مال كثير في آخر عمره من صاحب مراكش كانت وفاته في هذه السنة يوم الخميس السادس والعشرين من شعبان ، وله قصيدة كان يدعو الله بها ويرتجي الإجابة فيها وهي قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يا من يرى ما في الضمير ويسمع أنت المعد لكل ما يتوقع     يا من يرجى للشدائد كلها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يا من إليه المشتكى والمفزع     يا من خزائن رزقه في قول كن
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      امنن فإن الخير عندك أجمع     ما لي سوى فقري إليك وسيلة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فبالافتقار إليك فقري أدفع     ما لي سوى قرعي لبابك حيلة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلئن رددت فأي باب أقرع     ومن الذي أدعو وأهتف باسمه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إن كان فضلك عن فقيرك يمنع     حاشا لمجدك أن يقنط عاصيا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الفضل أجزل والمواهب أوسع

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية