الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      نكتة غريبة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة في " الروضتين " : وقد تكلم شيخنا أبو الحسن علي بن محمد السخاوي في تفسيره الأول ، فقال : وقع في تفسير أبي الحكم الأندلسي - يعني ابن برجان - في أول سورة الروم إخبار عن فتح بيت المقدس وأنه ينزع من أيدي النصارى سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة . قال السخاوي : ولم أره أخذ ذلك من علم الحروف ، وإنما أخذه فيما يزعم من قوله الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين [ الروم : 1 ، 2 ] فبنى الأمر على التاريخ كما يفعل المنجمون ، ثم ذكر أنهم يغلبون في سنة كذا ، ويغلبون في سنة كذا ، على [ ص: 593 ] ما تقتضيه دوائر التقدير . ثم قال : وهذه نجامة وافقت إصابة ، إن صح أنه قال ذلك قبل وقوعه ، وكان في كتابه قبل حدوثه ، قال : وليس هذا من قبيل علم الحروف ، ولا من باب الكرامات ; لأنها لا تنال بحساب . قال : وقد ذكر في تفسير سورة القدر أنه لو علم الوقت الذي نزل فيه القرآن لعلم الوقت الذي يرفع فيه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : ابن برجان ذكر هذا في تفسيره في حدود سنة ثنتين وعشرين وخمسمائة ، ويقال : إن الملك نور الدين أوقف على ذلك فطمع أن يعيش إلى سنة ثلاث وثمانين ; لأن مولده في سنة إحدى عشرة وخمسمائة ، فتهيأ لأسباب ذلك حتى إنه أعد منبرا عظيما لبيت المقدس إذا فتحه الله على يديه . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأما الصخرة العظيمة فإن السلطان أزال ما حولها وعندها من المنكرات والصور والصلبان ، وأظهرها بعدما كانت خفية مستورة غير مرئية ، وأمر الفقيه ضياء الدين عيسى الهكاري أن يعمل حولها شبابيك من حديد ، ورتب لها إماما [ ص: 594 ] راتبا ، ووقف عليه رزقا جيدا ، وكذلك على إمام محراب الأقصى ، وعمل للشافعية المدرسة الصلاحية ويقال لها : الناصرية . أيضا ، وكان موضعها كنيسة على صند حنة أي قبر حنة أم مريم ، عليها السلام ، ووقف على الصوفية رباطا كان دارا للتبرك إلى جنب القمامة ، وأجرى على الفقهاء والفقراء الجامكيات والجرايات ، وأرصد الختمات والربعات في أرجاء المسجد الأقصى ، لمن يقرأ أو ينظر فيها من المقيمين والزائرين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وتنافس بنو أيوب فيما يفعلونه من الخيرات بالقدس الشريف للقادمين والظاعنين والقاطنين ، فجزاهم الله خيرا أجمعين ، وعزم السلطان على هدم قمامة وجعلها دكا لتنحسم مادة النصارى من بيت المقدس فقيل له : إن هؤلاء لا يتركون الحج إلى هذه البقعة ، ولو تركتها قاعا صفصفا ، وقد فتح هذه البلد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وترك هذه الكنيسة بأيديهم ، فلك في ذلك أسوة . فأعرض عنها وتركها على حالها تأسيا بعمر بن الخطاب أحد الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين ، ولم يترك بها من النصارى سوى أربعة يخدمونها ، وحال بين النصارى وبينها ، وهدم المقابر التي كانت لهم عند باب الرحمة ، وعفى آثارها ، وهدم ما كان هناك من القباب وعجل دمارها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأما أسارى المسلمين الذين كانوا بالقدس ; فإن السلطان أطلقهم ، وأطلق لهم إعطاءات هنية ، وكساهم حللا سنية ، وانطلق كل منهم إلى وطنه ، وعاد إلى أهله وسكنه ، فلله الحمد على نعمه ومننه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية