الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      غريبة من الغرائب ، وعجيبة من العجائب

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد كثرت المياه في هذا الشهر ، وزادت الأنهار زيادة كثيرة جدا ، بحيث إنه فاض الماء في سوق الخيل من نهر بردى حتى عم جميع العرصة المعروفة بموقف الموكب ، بحيث إنه أجريت فيه المراكب بالكرا ، وركبت فيه المارة من جانب إلى جانب ، واستمر ذلك جمعا متعددة ، وامتنع نائب السلطنة والجيش من الوقوف هناك ، وربما وقف نائب السلطنة بعض الأيام تحت الطارمة تجاه باب الإسطبل السلطاني ، وهذا أمر لم يعهد مثله ، ولا رأيته قط في مدة عمري ، وقد سقطت بسبب ذلك بنايات ودور كثيرة ، وتعطلت طواحين كثيرة غمرها الماء .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ليلة الثلاثاء العشرين من جمادى الأولى توفي الصدر شمس الدين [ ص: 674 ] عبد الرحمن ابن الشيخ عز الدين بن منجا التنوخي بعد العشاء الآخرة ، وصلي عليه بجامع دمشق بعد صلاة الظهر ، ودفن بالسفح .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي صبيحة هذا اليوم توفي الشيخ ناصر الدين محمد بن أحمد القونوي الحنفي ، خطيب جامع يلبغا ، وصلي عليه عقيب صلاة الظهر أيضا ، ودفن بالصوفية ، وقد باشر عوضه الخطابة والإمامة ، قاضي القضاة جمال الدين الكفري الحنفي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي عصر هذا اليوم توفي القاضي علاء الدين ابن القاضي شرف الدين ابن القاضي شمس الدين بن الشهاب محمود الحلبي ، أحد موقعي الدست بدمشق ، وصلي عليه يوم الأربعاء ، ودفن بالسفح .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين منه خطب قاضي القضاة جمال الدين الكفري الحنفي بجامع يلبغا عوضا عن الشيخ ناصر الدين بن القونوي ، رحمه الله تعالى ، وحضر عنده نائب السلطنة الأمير سيف الدين قشتمر ، وصلى معه قاضي القضاة تاج الدين الشافعي بالشباك الغربي القبلي منه ، وحضر خلق من الأمراء والأعيان ، وكان يوما مشهودا ، وخطب ابن نباتة بأداء حسن ، وفصاحة بليغة ، هذا مع علم أن كل مركب صعب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم السبت خامس عشر جمادى الآخرة توجه الشيخ شرف الدين [ ص: 675 ] القاضي الحنبلي إلى الديار المصرية بطلب الأمير سيف الدين يلبغا في كتاب كتبه إليه يستدعيه ، ويستحثه في القدوم عليه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الثلاثاء ثاني شهر رجب سقط اثنان سكارى من سطح بحارة اليهود ، أحدهما مسلم والآخر يهودي ، فمات المسلم من ساعته ، وانقلعت عين اليهودي وانكسرت يده ، لعنه الله ، وحمل إلى نائب السلطنة فلم يحر جوابا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ورجع الشيخ شرف الدين ابن قاضي الجبل بعدما قارب غزة ; لما بلغه من الوباء بالديار المصرية ، فعاد إلى القدس الشريف ، ثم رجع إلى وطنه فأصاب السنة ، وقد وردت كتب كثيرة تخبر بشدة الوباء والطاعون بمصر ، وأنه يضبط من أهلها في النهار نحو الألف ، وأنه مات جماعة ممن يعرفون كولدي قاضي القضاة تاج الدين المناوي ، وكاتب الحكم بن الفرات ، وأهل بيته أجمعين ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وجاء الخبر في أواخر شهر رجب بموت جماعة بمصر ; منهم أبو حاتم ابن الشيخ بهاء الدين السبكي المصري بمصر ، وهو شاب لم يستكمل العشرين ، وقد درس بعدة جهات بمصر وخطب ، ففقده والده ، وتأسف الناس عليه ، وعزوا فيه عمه قاضي القضاة تاج الدين السبكي قاضي الشافعية بدمشق . وجاء الخبر بموت قاضي القضاة شهاب الدين أحمد الرباحي المالكي ، كان بحلب ، وليها مرتين ثم عزل ، فقصد مصر ، واستوطنها مدة ليتمكن من السعي في العودة ، فأدركته منيته في هذه السنة من الفناء ، وولدان له معه أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 676 ] وفي يوم السبت سادس شعبان توجه نائب السلطنة في صحبة جمهور الأمراء إلى ناحية تدمر; لأجل الأعراب وأصحاب حيار بن مهنا ومن التف عليه منهم ، وقد دمر بعضهم بلد تدمر ، وحرقوا كثيرا من أشجارها ورعوها ، وانتهبوا شيئا كثيرا ، وخرجوا عن الطاعة ، وذلك بسبب قطع إقطاعاتهم ، وتملك أملاكهم ، والحيلولة عليهم ، فركب نائب السلطنة بمن معه - كما ذكرنا - لطردهم عن تلك الناحية ، وفي صحبتهم الأمير حمزة بن الخياط أحد أمراء الطبلخاناه ، وقد كان حاجبا لحيار قبل ذلك ، فرجع عنه ، وألب عليه عند الأمير الكبير يلبغا الخاصكي ، ووعده إن هو أمره وكبره أن يظفر بحيار ، وأن يأتيه برأسه ، ففعل معه ذلك ، فقدم إلى دمشق ومعه مرسوم بركوب الجيش معه إلى حيار وأصحابه ، فساروا كما ذكرنا ، فوصلوا إلى تدمر ، وهربت الأعراب من بين يدي نائب الشام يمينا وشمالا ، ولم يواجهوه هيبة له ، ولكنهم يتحرفون على حمزة بن الخياط ، ثم بلغنا أنهم بيتوا الجيش ، فقتلوا منه طائفة ، وجرحوا آخرين ، وأسروا آخرين فإنا لله وإنا إليه راجعون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية