الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 218 ] ذكر موت عبد الله بن أبي قبحه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد بن إسحاق : حدثني الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد رضي الله عنه ، قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبي يعوده في مرضه الذي مات ، فيه فلما عرف فيه الموت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما والله إن كنت لأنهاك عن حب يهود " . فقال : قد أبغضهم أسعد بن زرارة فمه ؟ .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الواقدي : مرض عبد الله بن أبي في ليال بقين من شوال ، ومات في ذي القعدة وكان مرضه عشرين ليلة ، فكان رسول الله يعوده فيها ، فلما كان اليوم الذي مات فيه دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجود بنفسه ، فقال : " قد نهيتك عن حب يهود " . فقال : قد أبغضهم أسعد بن زرارة فما نفعه ؟ ثم قال يا رسول الله ، ليس هذا بحين عتاب ! هو الموت ، فإن مت ، فاحضر غسلي ، وأعطني قميصك الذي يلي جلدك ، فكفني فيه ، وصل علي واستغفر لي . ففعل ذلك به رسول الله صلى الله عليه وسلم . وروى البيهقي من حديث سالم بن عجلان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوا مما ذكره الواقدي . فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 219 ] وقد قال إسحاق بن راهويه قلت لأبي أسامة : أحدثكم عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال : لما توفي عبد الله بن أبي ابن سلول جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأله أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه ، فأعطاه ، ثم سأله أن يصلي عليه ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه ، فقام عمر بن الخطاب فأخذ بثوبه فقال : يا رسول الله ، تصلي عليه وقد نهاك الله عنه ؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن ربي خيرني فقال : استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ( التوبة : 80 ) وسأزيد على السبعين : فقال : إنه منافق ، أتصلي عليه ؟ ! فأنزل الله عز وجل : ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله ( التوبة : 84 ) فأقر به أبو أسامة وقال : نعم . وأخرجاه في " الصحيحين " من حديث أبي أسامة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي رواية للبخاري وغيره : قال عمر رضي الله عنه : فقلت : يا رسول الله ، تصلي عليه وقد قال في يوم كذا : كذا وكذا ، وقال في يوم كذا : كذا وكذا ؟ ! فقال : دعني يا عمر فإني بين خيرتين ، ولو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت " . ثم صلى عليه ، فأنزل الله عز وجل : ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره الآية . قال عمر : فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله ورسوله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 220 ] وقال سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار ، سمع جابر بن عبد الله يقول : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر عبد الله بن أبي بعدما أدخل حفرته ، فأمر به فأخرج ، فوضعه على ركبتيه - أو فخذيه - ونفث عليه من ريقه ، وألبسه قميصه . فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي " صحيح البخاري " بهذا الإسناد مثله ، وعنده أنه إنما ألبسه قميصه مكافأة لما كان كسا العباس رضي الله عنه قميصا حين قدم المدينة ، فلم يجدوا قميصا يصلح له إلا قميص عبد الله بن أبي . وقد ذكر البيهقي هاهنا قصة ثعلبة بن حاطب وكيف افتتن بكثرة المال ومنعه الصدقة ، وقد حررنا ذلك في " التفسير " عند قوله تعالى : ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله الآية . ( التوبة : 75 ) .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية