الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فصل ( قدوم علي على النبي صلى الله عليه وسلم بالأبطح وإيجاده فاطمة قد حلت )

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقدم في هذا الوقت - ورسول الله صلى الله عليه وسلم منيخ بالبطحاء خارج مكة - علي من اليمن ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد بعثه ، كما قدمنا ، إلى اليمن أميرا بعد خالد بن الوليد ، رضي الله عنهما ، فلما قدم وجد زوجته فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حلت كما حل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين لم يسوقوا الهدي ، واكتحلت ولبست ثيابا صبيغا ، فقال : من أمرك بهذا ؟ قالت : أبي . فذهب محرشا عليها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره أنها حلت ، ولبست ثيابا صبيغا ، واكتحلت ، وزعمت أنك أمرتها بذلك يا رسول الله . فقال : " صدقت ، صدقت ، صدقت " . ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بم أهللت حين أوجبت الحج ؟ " قال : بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم . قال : " فإن معي الهدي فلا تحل " . فكان جماعة الهدي الذي جاء به علي من اليمن ، والذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة [ ص: 557 ] واشتراه في الطريق مائة من الإبل ، واشتركا في الهدي جميعا . وقد تقدم هذا كله في " صحيح مسلم " ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهذا التقرير يرد الرواية التي ذكرها الحافظ أبو القاسم الطبراني ، رحمه الله ، من حديث عكرمة ، عن ابن عباس ، أن عليا تلقى النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجحفة . والله أعلم . وكان أبو موسى في جملة من قدم مع علي ، ولكنه لم يسق هديا ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يحل ، بعد ما طاف للعمرة وسعى ، ففسخ حجه إلى العمرة ، وصار متمتعا ، فكان يفتي بذلك في أثناء خلافة عمر بن الخطاب ، فلما رأى عمر بن الخطاب أن يفرد الحج عن العمرة ترك فتياه ; مهابة لأمير المؤمنين عمر ، رضي الله عنه وأرضاه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا سفيان ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه قال : رأيت بلالا يؤذن ويدور وأتتبع فاه هاهنا وهاهنا ، وأصبعاه في أذنيه . قال : ورسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة له حمراء ، أراها من أدم . قال : فخرج بلال بين يديه بالعنزة فركزها ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال عبد الرزاق : وسمعته بمكة قال : بالبطحاء - ويمر بين يديه الكلب والمرأة والحمار ، وعليه حلة حمراء ، كأني أنظر إلى بريق ساقيه . قال سفيان : نراها حبرة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أحمد : ثنا وكيع ، ثنا سفيان ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالأبطح وهو في قبة له حمراء ، فخرج بلال بفضل [ ص: 558 ] وضوئه فمن ناضح ونائل . قال : فأذن بلال فكنت أتتبع فاه هكذا وهكذا - يعني يمينا وشمالا - قال : ثم ركزت له عنزة ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وعليه جبة له حمراء - أو حلة حمراء - وكأني أنظر إلى بريق ساقيه ، فصلى بنا إلى عنزة الظهر - أو العصر - ركعتين ، تمر المرأة والكلب والحمار ، لا يمنع ، ثم لم يزل يصلي ركعتين حتى أتى المدينة . وقال وكيع مرة : فصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين . وأخرجاه في " الصحيحين " من حديث سفيان الثوري .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أحمد أيضا : ثنا محمد بن جعفر ، ثنا شعبة . ح وحجاج ، أخبرني شعبة ، عن الحكم ، سمعت أبا جحيفة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة إلى البطحاء ، فتوضأ وصلى الظهر ركعتين وبين يديه عنزة . وزاد فيه عون ، عن أبيه أبي جحيفة : وكان يمر من ورائها الحمار والمرأة . قال حجاج في الحديث : ثم قام الناس فجعلوا يأخذون يده فيمسحون بها وجوههم . قال : فأخذت يده فوضعتها على وجهي ، فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب ريحا من المسك . وقد أخرجه صاحبا " الصحيح " من حديث شعبة بتمامه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية