الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فصل ( نزول النبي صلى الله عليه وسلم بمنى حيث المسجد اليوم )

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم نزل عليه الصلاة والسلام بمنى حيث المسجد اليوم فيما يقال ، وأنزل المهاجرين يمنته والأنصار يسرته ، والناس حولهم من بعدهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحافظ البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ، أنبأنا علي بن محمد بن عقبة الشيباني بالكوفة ، ثنا إبراهيم بن إسحاق الزهري ، ثنا عبيد الله بن موسى ، أنبأنا إسرائيل ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن يوسف بن ماهك ، عن أم مسيكة ، عن عائشة ، قالت : قيل : يا رسول الله ، ألا نبني لك بمنى بناء يظلك ؟ قال : " لا ; منى مناخ من سبق " . وهذا إسناد لا بأس به ، وليس هو في " المسند " ، ولا في الكتب الستة من هذا الوجه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو داود : ثنا أبو بكر محمد بن خلاد الباهلي ، ثنا يحيى ، عن ابن [ ص: 645 ] جريج ، أخبرني حريز - أو أبو حريز ، الشك من يحيى - أنه سمع عبد الرحمن بن فروخ يسأل ابن عمر قال : إنا نتبايع بأموال الناس ، فيأتي أحدنا مكة فيبيت على المال . فقال : أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فبات بمنى وظل . انفرد به أبو داود .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم قال أبو داود : ثنا عثمان بن أبي شيبة ، ثنا ابن نمير وأبو أسامة ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : استأذن العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته ، فأذن له . وهكذا رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن نمير ، زاد البخاري : وأبي ضمرة أنس بن عياض زاد مسلم : وأبي أسامة حماد بن أسامة . وقد علقه البخاري ، عن أبي أسامة وعقبة بن خالد كلهم عن عبيد الله بن عمر به . وقد كان صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه بمنى ركعتين ، كما ثبت عنه ذلك في " الصحيحين " من حديث ابن مسعود وحارثة بن وهب ، رضي الله عنهما ، ولهذا ذهب طائفة من العلماء إلى أن سبب هذا القصر النسك ، كما هو قول طائفة من المالكية وغيرهم ; قالوا : ومن قال أنه ، عليه الصلاة والسلام كان يقول بمنى لأهل مكة " أتموا ، فإنا قوم سفر " . فقد غلط ، إنما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح وهو نازل بالأبطح ، كما تقدم . والله أعلم . وكان صلى الله عليه وسلم يرمي [ ص: 646 ] الجمرات الثلاث في كل يوم من أيام منى بعد الزوال - كما قال جابر فيما تقدم - ماشيا كما قال ابن عمر فيما سلف ، كل جمرة بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة ، ويقف عند الأولى وعند الثانية يدعو الله ، عز وجل ، ولا يقف عند الثالثة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو داود : ثنا علي بن بحر وعبد الله بن سعيد ، المعنى ، قالا : ثنا أبو خالد الأحمر ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر ، ثم رجع إلى منى ، فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس ، كل جمرة بسبع حصيات ، ويكبر مع كل حصاة ، ويقف عند الأولى والثانية فيطيل القيام ويتضرع ، ويرمي الثالثة ولا يقف عندها . انفرد به أبو داود .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى البخاري من غير وجه عن يونس بن يزيد ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر ، أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات ، يكبر على إثر كل حصاة ، ثم يتقدم حتى يسهل ، فيقوم مستقبل القبلة طويلا ، ويدعو ويرفع يديه ، ثم يرمي الوسطى ، ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل ، فيقوم مستقبل القبلة فيقوم طويلا ، ويدعو ويرفع يديه ويقوم طويلا ، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ، ولا يقف عندها ، ثم ينصرف ، فيقول : هكذا رأيت [ ص: 647 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال وبرة بن عبد الرحمن : قام ابن عمر عند العقبة بقدر قراءة سورة " البقرة " . وقال أبو مجلز : حزرت قيامه بقدر قراءة سورة " يوسف " . ذكرهما البيهقي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن أبي البداح ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا يوما ، ويدعوا يوما .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أحمد : ثنا محمد بن بكر ، وأنا روح ، ثنا ابن جريج ، ، أخبرني محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو ، عن أبيه ، عن أبي البداح بن عاصم بن عدي ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص للرعاء أن يتعاقبوا فيرموا يوم النحر ، ثم يدعوا يوما وليلة ، ثم يرموا الغد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : ثنا عبد الرحمن ، ثنا مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن أبي البداح بن عاصم بن عدي ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 648 ] رخص لرعاء الإبل في البيتوتة عن منى ; يرمون يوم النحر ، ثم يرمون الغد أو من بعد الغد اليومين ، ثم يرمون يوم النفر . وكذا رواه عن عبد الرزاق ، عن مالك بنحوه . وقد رواه أهل السنن الأربعة من حديث مالك ، ومن حديث سفيان بن عيينة به . قال الترمذي : ورواية مالك أصح ، وهو حديث حسن صحيح .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية