الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فصل فيما ورد من الأحاديث الدالة على أنه ، عليه الصلاة والسلام ، خطب الناس بمنى في اليوم الثاني من أيام التشريق وهو أوسطها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو داود : باب أي يوم يخطب بمنى . حدثنا محمد بن العلاء ، أنبأنا ابن المبارك ، عن إبراهيم بن نافع ، عن ابن أبي نجيح ، عن أبيه ، عن رجلين [ ص: 649 ] من بني بكر قالا : رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بين أوسط أيام التشريق ونحن عند راحلته ، وهي خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي خطب بمنى . انفرد به أبو داود .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم قال أبو داود : ثنا محمد بن بشار ، ثنا أبو عاصم ، ثنا ربيعة بن عبد الرحمن بن حصن ، حدثتني جدتي سراء بنت نبهان - وكانت ربة بيت في الجاهلية - قالت : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الرءوس ، فقال : " أي يوم هذا ؟ " قلنا : الله ورسوله أعلم . قال : " أليس أوسط أيام التشريق ؟ " انفرد به أبو داود . قال أبو داود : وكذلك قال عم أبي حرة الرقاشي أنه خطب أوسط أيام التشريق .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهذا الحديث قد رواه الإمام أحمد متصلا مطولا ، فقال : ثنا عفان ، ثنا حماد بن سلمة ، أنبأنا علي بن زيد ، عن أبي حرة الرقاشي ، عن عمه قال : كنت آخذا بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق أذود عنه الناس ، فقال : " يا أيها الناس ، أتدرون في أي شهر أنتم ؟ وفي أي يوم أنتم ؟ وفي أي بلد أنتم ؟ " قالوا : في يوم حرام ، وشهر حرام ، وبلد حرام . قال : " فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، إلى يوم تلقونه " . ثم قال : " اسمعوا مني تعيشوا ، ألا لا تظلموا ، [ ص: 650 ] ألا لا تظلموا ، ألا لا تظلموا ، إنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ، ألا إن كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة ، وإن أول دم يوضع دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، كان مسترضعا في بني ليث ، فقتلته هذيل ، ألا وإن كل ربا كان في الجاهلية موضوع ، وإن الله ، عز وجل ، قضى أن أول ربا يوضع ربا العباس بن عبد المطلب ، لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ، ألا وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض " . ثم قرأ : " إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم " . ( التوبة : 36 ) " ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، ألا إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون ، ولكنه في التحريش بينكم ، فاتقوا الله ، عز وجل ، في النساء ; فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا ، وإن لهن [ ص: 651 ] عليكم حقا ، ولكم عليهن حقا أن لا يوطئن فرشكم أحدا غيركم ، ولا يأذن في بيوتكم لأحد تكرهونه ، فإن خفتم نشوزهن فعظوهن ، واهجروهن في المضاجع ، واضربوهن ضربا غير مبرح " - قال حميد : قلنا للحسن : ما المبرح ؟ قال : المؤثر - " ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف وإنما أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، عز وجل ، ألا ومن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها " . وبسط يده ، فقال : " ألا هل بلغت ؟ ألا هل بلغت ؟ ألا هل بلغت ؟ " ثم قال : " ليبلغ الشاهد الغائب ; فإنه رب مبلغ أسعد من سامع " قال حميد : قال الحسن حين بلغ هذه الكلمة : قد والله بلغوا أقواما كانوا أسعد به . وقد روى أبو داود في كتاب النكاح من " سننه " عن موسى بن إسماعيل ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن أبي حرة الرقاشي - واسمه حنيفة - عن عمه ببعضه في النشوز .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن حزم : جاء أنه خطب يوم الرءوس ، وهو اليوم الثاني من يوم النحر بلا خلاف عن أهل مكة ، وجاء أنه أوسط أيام التشريق ; فتحمل على أن أوسط بمعنى أشرف ، كما قال تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا ( البقرة : 143 ) وهذا المسلك الذي سلكه ابن حزم بعيد . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 652 ] وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا الوليد بن عمرو بن السكين ، ثنا أبو همام محمد بن الزبرقان ، ثنا موسى بن عبيدة ، عن عبد الله بن دينار وصدقة بن يسار ، عن عبد الله بن عمر قال : نزلت هذه السورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى وهو في أوسط أيام التشريق في حجة الوداع : " إذا جاء نصر الله والفتح " فعرف أنه الوداع ، فأمر براحلته القصواء ، فرحلت له ، ثم ركب فوقف الناس بالعقبة ، فاجتمع إليه ما شاء الله من المسلمين ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : " أما بعد ، أيها الناس ، فإن كل دم كان في الجاهلية فهو هدر ، وإن أول دمائكم أهدر دم ربيعة بن الحارث ، كان مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل ، وكل ربا في الجاهلية فهو موضوع ، وإن أول رباكم أضع ربا العباس بن عبد المطلب ، أيها الناس ، إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ; رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم " ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم " الآية " إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله " . ( التوبة : 36 ) كانوا يحلون صفرا عاما ويحرمون المحرم عاما [ ص: 653 ] ، ويحرمون صفرا عاما ، ويحلون المحرم عاما ، فذلك النسيء ، يا أيها الناس من كان عنده وديعة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ، أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد ببلادكم آخر الزمان وقد يرضى عنكم بمحقرات الأعمال ، فاحذروا على دينكم محقرات الأعمال ، أيها الناس ، إن النساء عندكم عوان ، أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، لكم عليهن حق ، ولهن عليكم حق ، ومن حقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم غيركم ولا يعصينكم في معروف ، فإن فعلن ذلك فليس لكم عليهن سبيل ، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، فإن ضربتم فاضربوا ضربا غير مبرح ، ولا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه ، أيها الناس ، إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا ; كتاب الله ، فاعملوا به ، أيها الناس ، أي يوم هذا ؟ " قالوا : يوم حرام . قال : " فأي بلد هذا ؟ " قالوا : بلد حرام . قال : " فأي شهر هذا ؟ " قالوا : شهر حرام . قال : " فإن الله حرم دماءكم وأموالكم وأعراضكم ، كحرمة هذا اليوم ، في هذا البلد ، وهذا الشهر ، ألا ليبلغ شاهدكم غائبكم ، لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم " . ثم رفع يديه فقال : " اللهم اشهد "

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية