الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 659 ] قصة سلمان في تكثيره صلى الله عليه وسلم القطعة من الذهب لوفاء دينه في مكاتبته

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثني يزيد بن أبي حبيب ، حدثني رجل من عبد القيس ، عن سلمان قال : لما قلت : وأين تقع هذه من الذي علي يا رسول الله ؟ أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلبها على لسانه ثم قال " " خذها فأوفهم منها " . فأخذتها فأوفيتهم منها حقهم أربعين أوقية . .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ذكر مزود أبي هريرة وتمره : قال الإمام أحمد : حدثنا يونس ، حدثنا حماد ، يعني ابن زيد ، عن المهاجر ، عن أبي العالية ، عن أبي هريرة قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بتمرات فقلت : ادع الله لي فيهن بالبركة . قال : فصفهن بين يديه ، ثم دعا فقال لي : " اجعلهن في مزود ، وأدخل يدك ولا تنثره " قال : فحملت منه كذا وكذا وسقا في سبيل الله ونأكل ونطعم ، وكان لا يفارق حقوي ، فلما قتل عثمان رضي الله عنه ، انقطع عن حقوي فسقط ورواه الترمذي عن عمران بن موسى القزاز البصري ، عن حماد بن زيد ، [ ص: 660 ] عن المهاجر أبي مخلد ، عن رفيع أبي العالية عنه ، وقال الترمذي : حسن غريب من هذا الوجه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      طريق أخرى عنه : قال الحافظ أبو بكر البيهقي : أخبرنا أبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر الحفار ، أنا الحسين بن يحيى بن عياش القطان ، ثنا حفص بن عمرو ، ثنا سهل بن زياد أبو زياد ، ثنا أيوب السختياني ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فأصابهم عوز من الطعام فقال : " يا أبا هريرة عندك شيء ؟ " قال : قلت : شيء من تمر في مزود لي . قال : " جئ به " . قال : فجئت بالمزود . قال : " هات نطعا " . فجئت بالنطع فبسطته فأدخل يده فقبض على التمر ، فإذا هو واحد وعشرون تمرة ، ثم قال : " بسم الله " . فجعل يضع كل تمرة ويسمي حتى أتى على التمر فقال به هكذا فجمعه ، فقال : " ادع فلانا وأصحابه " . فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا ، ثم قال : " ادع فلانا وأصحابه " . فأكلوا وشبعوا وخرجوا ، ثم قال : " ادع فلانا وأصحابه " . فأكلوا وشبعوا وخرجوا ، وفضل ، ثم قال لي : " اقعد " . فقعدت فأكل وأكلت . قال : وفضل تمر فأدخلته في المزود ، وقال لي : " يا أبا [ ص: 661 ] هريرة إذا أردت شيئا فأدخل يدك وخذه ، ولا تكفئ فيكفأ عليك " . قال : فما كنت أريد تمرا إلا أدخلت يدي فأخذت منه خمسين وسقا في سبيل الله . قال : وكان معلقا خلف رحلي ، فوقع في زمن عثمان فذهب . .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      طريق أخرى عن أبي هريرة في ذلك : روى البيهقي من طريقين ، عن سهل بن أسلم العدوي ، عن يزيد بن أبي منصور ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : أصبت بثلاث مصيبات في الإسلام لم أصب بمثلهن ؛ موت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت صويحبه ، وقتل عثمان ، والمزود . قالوا : وما المزود يا أبا هريرة ؟ قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فقال : " يا أبا هريرة أمعك شيء ؟ " قال : قلت : تمر في مزود . قال : " جئ به " . فأخرجت تمرا ، فأتيته به . قال : فمسه ودعا فيه ، ثم قال : " ادع عشرة " . فدعوت عشرة ، فأكلوا حتى شبعوا ، ثم كذلك حتى أكل الجيش كله ، وبقي من تمر معي في المزود ، فقال : " يا أبا هريرة ، إذا أردت أن تأخذ منه شيئا فأدخل يدك فيه ولا تكبه " . قال : فأكلت منه حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأكلت منه حياة أبي بكر كلها ، وأكلت منه حياة عمر كلها ، وأكلت منه حياة عثمان كلها ، فلما قتل عثمان انتهب ما في يدي وانتهب المزود ، ألا أخبركم كم أكلت منه ؟ أكلت منه أكثر من مائتي وسق . .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      طريق أخرى : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عامر ، ثنا إسماعيل يعني ابن مسلم ، عن أبي المتوكل ، عن أبي هريرة قال : أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من [ ص: 662 ] تمر ، فجعلته في مكتل ، فعلقناه في سقف البيت ، فلم نزل نأكل منه حتى كان آخره أصابه أهل الشام حيث أغاروا على المدينة . تفرد به أحمد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حديث عن العرباض بن سارية في ذلك : رواه الحافظ ابن عساكر في ترجمته من طريق محمد بن عمر الواقدي ، حدثني ابن أبي سبرة عن موسى بن سعد ، عن العرباض بن سارية قال : كنت ألزم باب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحضر والسفر ، فرأينا ليلة ونحن بتبوك ، وذهبنا لحاجة فرجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تعشى ومن عنده ، فقال : " أين كنت منذ الليلة ؟ " فأخبرته ، وطلع جعال بن سراقة وعبد الله بن مغفل المزني ، فكنا ثلاثة كلنا جائع ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت أم سلمة فطلب شيئا نأكله فلم يجده ، فنادى بلالا : " هل من شيء ؟ " فأخذ الجرب ينفضها ، فاجتمع سبع تمرات ، فوضعها في صحفة ووضع عليهن يده ، وسمى الله ، وقال : " كلوا بسم الله " . فأكلنا ، فأحصيت أربعا وخمسين تمرة أكلتها ، أعدها ونواها في يدي الأخرى ، وصاحباي يصنعان ما أصنع ، فأكل كل منهما خمسين تمرة ، ورفعنا أيدينا ، فإذا التمرات السبع كما هن ، فقال : " يا بلال ، ارفعهن في جرابك " . فلما كان الغد وضعهن في الصحفة وقال : " كلوا بسم الله " . فأكلنا حتى شبعنا ، وإنا لعشرة ، ثم رفعنا أيدينا [ ص: 663 ] وإنهن كما هن سبع ، فقال : " لولا أني أستحي من ربي عز وجل لأكلنا من هذه التمرات حتى نرد المدينة عن آخرنا " فلما رجع إلى المدينة طلع غليم من أهل المدينة فدفعهن إلى ذلك الغلام فانطلق يأكلهن .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حديث آخر : روى البخاري ومسلم من حديث أبي أسامة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت له : لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي ، فأكلت منه حتى طال علي ، فكلته ففني .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حديث آخر : روى مسلم في " صحيحه " عن سلمة بن شبيب ، عن الحسن بن أعين ، عن معقل ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير ، فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " لو لم تكله لأكلتم منه ، ولقام لكم " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وبهذا الإسناد عن جابر ، أن أم مالك كانت تهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في عكتها سمنا ، فيأتيها بنوها فيسألون الأدم وليس عندها شيء ، فتعمد إلى الذي [ ص: 664 ] كانت تهدي فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتجد فيه سمنا ، فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرتها ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أعصرتيها ؟ " قالت : نعم . فقال : " لو تركتيها ما زال قائما " وقد رواهما الإمام أحمد عن موسى ، عن ابن لهيعة ، عن أبي الزبير ، عن جابر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حديث آخر : قال البيهقي : أنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو جعفر البغدادي ، ثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، ثنا حسان بن عبد الله ، ثنا ابن لهيعة ، ثنا يونس بن يزيد ، ثنا أبو إسحاق ، عن سعيد بن الحارث ، عن جده نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، أنه استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم في التزويج ، فأنكحه امرأة ، فالتمس شيئا فلم يجده ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع وأبا أيوب بدرعه ، فرهناه عند رجل من اليهود بثلاثين صاعا من شعير ، فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه . قال : فطعمنا منه نصف سنة ، ثم كلناه فوجدناه كما أدخلناه . قال نوفل : فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " لو لم تكله لأكلت منه ما عشت " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 665 ] حديث آخر : قال الحافظ البيهقي في " الدلائل " : أنا عبد الله بن يوسف الأصفهاني ، أنا أبو سعيد بن الأعرابي ، ثنا عباس بن محمد الدوري ، أنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، أنا أبو بكر بن عياش ، عن هشام ، يعني ابن حسان ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة قال : أتى رجل أهله ، فرأى ما بهم من الحاجة ، فخرج إلى البرية ، فقالت امرأته : اللهم ارزقنا ما نعتجن ونختبز . قال : فإذا الجفنة ملأى خميرا ، والرحا تطحن ، والتنور ملأى خبزا وشواء . قال : فجاء زوجها فقال : عندكم شيء ؟ قالت : نعم ، رزق الله . فرفع الرحا فكنس ما حوله ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : " لو تركها لدارت إلى يوم القيامة " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ، ثنا أبو إسماعيل الترمذي ، ثنا أبو صالح عبد الله بن صالح ، حدثني الليث بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، أن رجلا من الأنصار كان ذا حاجة ، فخرج وليس عند أهله شيء فقالت امرأته : لو أني حركت رحاي وجعلت في تنوري سعفات . فسمع جيراني صوت الرحا ورأوا الدخان ، فظنوا أن عندنا طعاما وليس بنا خصاصة . فقامت إلى تنورها ، فأوقدته وقعدت تحرك الرحا . قال : فأقبل زوجها وسمع الرحا فقامت إليه لتفتح له الباب ، فقال : ماذا كنت تطحنين ؟ فأخبرته ، فدخلا وإن رحاهما لتدور وتصب دقيقا ، فلم يبق في البيت وعاء إلا ملي ، ثم خرجت إلى تنورها ، فوجدته مملوءا [ ص: 666 ] خبزا ، فأقبل زوجها فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال : " فما فعلت الرحا ؟ " قال : رفعتها ونفضتها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو تركتموها ما زالت لكم حياتي " . أو قال " حياتكم " . وهذا الحديث غريب سندا ومتنا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حديث آخر : وقال مالك ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف كافر ، فأمر له بشاة فحلبت فشرب حلابها ، ثم أخرى فشرب حلابها ، ثم أخرى فشرب حلابها ، حتى شرب حلاب سبع شياه ، ثم إنه أصبح فأسلم ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر له بشاة فحلبت فشرب حلابها ، ثم أمر له بأخرى فلم يستتمها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن المسلم يشرب في معى واحد والكافر يشرب في سبعة أمعاء " ورواه مسلم من حديث مالك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حديث آخر : قال الحافظ البيهقي : أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ثنا أحمد بن عبيد الصفار ، حدثني محمد بن الفضل بن جابر ، ثنا الحسين بن عبد الأول ، ثنا حفص بن غياث ، ثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : ضاف النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي . قال : فطلب له شيئا ، فلم يجد إلا كسرة في كوة . قال فجزأها رسول الله صلى الله عليه وسلم أجزاء ودعا عليها ، وقال " كل " قال : فأكل وأفضل . قال : فقال : يا محمد إنك لرجل صالح . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : [ ص: 667 ] " أسلم " فقال : إنك لرجل صالح . ثم رواه البيهقي من حديث سهل بن عثمان ، عن حفص بن غياث بإسناده نحوه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حديث آخر : قال الحافظ البيهقي : أنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ قال : وفيما ذكر عبدان الأهوازي ، ثنا محمد بن زياد البرجمي ، ثنا عبيد الله بن موسى ، عن مسعر ، عن زبيد عن مرة عن عبد الله بن مسعود قال : أضاف النبي صلى الله عليه وسلم ضيفا ، فأرسل إلى أزواجه يبتغي عندهن طعاما ، فلم يجد عند واحدة منهن شيئا ، فقال : " اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك فإنه لا يملكها إلا أنت " . قال : فأهديت له شاة مصلية ، فقال : " هذا من فضل الله ونحن ننتظر الرحمة " قال أبو علي : حدثنيه محمد بن عبدان الأهوازي عنه . قال : والصحيح عن زبيد مرسلا ، حدثناه محمد بن عبدان حدثنا أبي ، ثنا الحسن بن الحارث الأهوازي ، أنا عبيد الله بن موسى ، عن مسعر ، عن زبيد فذكره مرسلا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حديث آخر : قال الحافظ البيهقي : أنا أبو عبد الرحمن السلمي ، ثنا أبو عمرو بن حمدان ، أنا الحسن بن سفيان ، ثنا إسحاق بن منصور ، ثنا سليمان بن عبد الرحمن ، ثنا عمرو بن بشر بن السرح ، ثنا الوليد بن سليمان بن أبي السائب ، ثنا واثلة بن الخطاب ، عن أبيه عن جده واثلة بن الأسقع قال : حضر رمضان ونحن في أهل الصفة فصمنا ، فكنا إذا أفطرنا أتى كل رجل منا رجل من [ ص: 668 ] أهل البيعة ، فانطلق به فعشاه ، فأتت علينا ليلة لم يأتنا أحد وأصبحنا صياما ، وأتت علينا القابلة فلم يأتنا أحد فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بالذي كان من أمرنا ، فأرسل إلى كل امرأة من نسائه يسألها ؛ هل عندها شيء ؟ فما بقيت منهن امرأة إلا أرسلت تقسم ؛ ما أمسى في بيتها ما يأكل ذو كبد . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا فدعا وقال : " اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك ؛ فإنهما بيدك لا يملكهما أحد غيرك " . فلم يكن إلا ومستأذن يستأذن فإذا بشاة مصلية ورغف ، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعت بين أيدينا فأكلنا حتى شبعنا ، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنا سألنا الله من فضله ورحمته ، فهذا فضله ، وقد ذخر لنا عنده رحمته " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حديث الذراع : قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، ثنا يحيى بن أبي إسحاق ، حدثني رجل من بني غفار في مجلس سالم بن عبد الله ، قال : حدثني فلان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بطعام من خبز ولحم فقال : ناولني الذراع " . فنوول ذراعا - قال يحيى : لا أعلمه إلا هكذا - ثم قال : " ناولني الذراع " . فنوول ذراعا ، فأكلها ، ثم قال : " ناولني الذراع " . فقال : يا رسول الله ، إنما هما ذراعان ، فقال : " وأبيك لو سكت ما زلت أناول منها ذراعا ما دعوت [ ص: 669 ] به " . فقال سالم : أما هذه فلا ، سمعت عبد الله بن عمر يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم " هكذا وقع إسناد هذا الحديث وهو عن مبهم عن مثله ، وقد روي من طرق أخرى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الإمام أحمد : حدثنا خلف بن الوليد ، حدثنا أبو جعفر - يعني الرازي - عن شرحبيل ، عن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : أهديت له شاة فجعلها في القدر فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ما هذا يا أبا رافع ؟ " قال شاة أهديت لنا يا رسول الله ، فطبختها في القدر . فقال : " ناولني الذراع يا أبا رافع " فناولته الذراع ، ثم قال " ناولني الذراع الآخر " فناولته الذراع الآخر ، ثم قال " ناولني الذراع الآخر " فقال : يا رسول الله ، إنما للشاة ذراعان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما إنك لو سكت لناولتني ذراعا فذراعا ما سكت " . ثم دعا بماء فمضمض فاه وغسل أطراف أصابعه ، ثم قام فصلى ثم عاد إليهم فوجد عندهم لحما باردا ، فأكل ثم دخل المسجد فصلى ولم يمس ماء . .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      طريق أخرى عن أبي رافع : قال الإمام أحمد : ثنا مؤمل ، ثنا حماد ، حدثني عبد الرحمن بن أبي رافع عن عمته ، عن أبي رافع قال : صنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مصلية فأتي بها فقال لي : " يا أبا رافع ، ناولني الذراع " فناولته ثم قال " يا أبا رافع ناولني الذراع " . فناولته ثم قال : " يا أبا رافع ناولني الذراع " فقلت : يا رسول الله وهل للشاة إلا ذراعان ؟ فقال : " لو سكت [ ص: 670 ] لناولتني منها ما دعوت به " قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الذراع . قلت ولهذا لما علمت اليهود عليهم لعائن الله ، بخيبر سموه في الذراع في تلك الشاة التي أحضرتها زينب اليهودية ، فأخبره الذراع بما فيه من السم ، لما نهس منه نهسة ، كما قدمنا ذلك في غزوة خيبر مبسوطا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      طريق أخرى : قال الحافظ أبو يعلى : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا زيد بن الحباب ، حدثني فائد مولى عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبي رافع قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق بشاة في مكتل ، فقال : " يا أبا رافع ناولني الذراع " . فناولته ، ثم قال : " يا أبا رافع ، ناولني الذراع " . فناولته ، ثم قال : " يا أبا رافع ناولني الذراع " . فقلت : يا رسول الله ، أللشاة إلا ذراعان ؟ فقال : " لو سكت ساعة ؛ ناولتنيه ما سألتك " . فيه انقطاع من هذا الوجه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد قال أبو يعلى أيضا : ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، ثنا فضيل بن سليمان ، ثنا فائد مولى عبيد الله ، حدثني عبيد الله أن جدته سلمى أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى أبي رافع بشاة ، وذلك يوم الخندق فيما أعلم ، فصلاها أبو رافع ليس معها خبز ثم انطلق بها ، فلقيها النبي صلى الله عليه وسلم راجعا من الخندق فقال : " يا أبا رافع ، ضع الذي معك " . فوضعه ثم قال : " يا أبا رافع ناولني الذراع " . فناولته ثم قال : " يا أبا رافع ناولني الذراع " . فناولته ، ثم قال : " يا أبا رافع ناولني الذراع " . فقلت : يا رسول الله ، هل للشاة غير ذراعين ؟ فقال : " لو [ ص: 671 ] سكت لناولتني ما سألتك " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد روي من طريق أبي هريرة ؛ قال الإمام أحمد : ثنا الضحاك ، ثنا ابن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن شاة طبخت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطني الذراع " . فناولته إياه فقال : " أعطني الذراع " فناولته إياه ، ثم قال : " أعطني الذراع " فقال : يا رسول الله إنما للشاة ذراعان ، قال : " أما إنك لو التمستها لوجدتها " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن إسماعيل ، عن قيس ، عن دكين بن سعيد الخثعمي قال : أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أربعون وأربعمائة نسأله الطعام ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر : " قم فأعطهم " فقال : يا رسول الله ما عندي إلا ما يقيظني والصبية . قال وكيع : القيظ في كلام العرب أربعة أشهر . قال : " قم فأعطهم " . قال : يا رسول الله سمعا وطاعة . قال : فقام عمر وقمنا معه فصعد بنا إلى غرفة له ، فأخرج المفتاح من حجزته ففتح الباب . قال دكين : فإذا في الغرفة من التمر شبيه بالفصيل الرابض . قال : شأنكم . قال : فأخذ كل رجل منا حاجته ما شاء . ثم التفت وإني لمن آخرهم فكأنا لم نرزأ منه تمرة . ثم رواه أحمد ، عن محمد ويعلى ابني عبيد ، عن [ ص: 672 ] إسماعيل ، وهو ابن أبي خالد ، عن قيس ، وهو ابن أبي حازم ، عن دكين به . ورواه أبو داود ، عن عبد الرحيم بن مطرف الرواسي ، عن عيسى بن يونس ، عن إسماعيل به

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حديث آخر : قال علي بن عبد العزيز : ثنا أبو نعيم ، ثنا حشرج بن نباتة ، ثنا أبو نضرة ، حدثني أبو رجاء قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل حائطا لبعض الأنصار فإذا هو يسنو فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تجعل لي إن أرويت حائطك هذا ؟ " قال : إني أجهد أن أرويه فما أطيق ذلك . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تجعل لي مائة تمرة أختارها من تمرك ؟ " قال : نعم . فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الغرب ، فما لبث أن أرواه حتى قال الرجل : غرقت حائطي . فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم من تمره مائة تمرة . قال : فأكل هو وأصحابه حتى شبعوا ، ثم رد عليه مائة تمرة ، كما أخذها . هذا حديث غريب أورده الحافظ ابن عساكر في دلائل النبوة من أول تاريخه ، بسنده عن علي بن عبد العزيز البغوي ، كما أوردناه . وقد تقدم في ذكر إسلام سلمان الفارسي ما كان من أمر النخيل التي غرسها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة لسلمان ، فلم يهلك منهن واحدة ، بل أنجب الجميع ، وكن ثلاثمائة ، وما كان من تكثيره الذهب حين قلبه على لسانه [ ص: 673 ] الشريف ، حتى قضى منه سلمان ما كان عليه من نجوم الكتابة وعتق ، رضي الله عنه وأرضاه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية