الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 136 ] فصل في ترتيب الإخبار بالغيوب المستقبلة بعده صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثبت في صحيح البخاري ومسلم من حديث الأعمش ، عن أبي وائل ، عن حذيفة بن اليمان قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا مقاما ما ترك فيه شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره ، علمه من علمه وجهله من جهله ، وقد كنت أرى الشيء قد كنت نسيته فأعرفه كما يعرف الرجل الرجل إذا غاب عنه فرآه فعرفه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البخاري : ثنا يحيى بن موسى ، حدثنا الوليد ، حدثني ابن جابر ، حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي ، حدثني أبو إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر; مخافة أن يدركني ، فقلت : يا رسول الله ، إنا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال : " نعم " . قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال : " نعم . وفيه دخن " . قلت وما دخنه؟ فقال : " قوم يهدون بغير هديي ، تعرف منهم وتنكر " . قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال : " نعم ، دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها " . قلت يا رسول الله ، صفهم لنا قال : " هم من جلدتنا ، ويتكلمون بألسنتنا " . قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال : " تلزم [ ص: 137 ] جماعة المسلمين وإمامهم " . قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام . قال : " فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك " وقد رواه البخاري أيضا ومسلم ، عن محمد بن المثنى ، عن الوليد بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم قال البخاري : ثنا محمد بن المثنى ، ثنا يحيى بن سعيد ، عن إسماعيل ، عن قيس ، عن حذيفة قال : تعلم أصحابي الخير وتعلمت الشر . تفرد به البخاري .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي " صحيح مسلم " من حديث شعبة ، عن عدي بن ثابت ، عن عبد الله بن يزيد ، عن حذيفة قال : لقد حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يكون حتى تقوم الساعة ، غير أني لم أسأله : ما يخرج أهل المدينة منها؟ .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي " صحيح مسلم " من حديث علباء بن أحمر ، عن أبي يزيد عمرو بن أخطب قال : أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان وبما هو كائن إلى يوم القيامة ، فأعلمنا أحفظنا . وفي الحديث الآخر حتى دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار وقد تقدم حديث خباب بن الأرت : " والله ليتمن الله هذا الأمر ، ولكنكم تستعجلون " . [ ص: 138 ] وكذا حديث عدي بن حاتم في ذلك ، وقال الله تعالى : ليظهره على الدين كله [ التوبة : 33 ] . وقال تعالى : وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض الآية [ النور : 55 ] .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي " صحيح مسلم " من حديث أبي نضرة ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الدنيا حلوة خضرة ، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون ، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء; فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " . وفي حديث آخر : ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء وفي " الصحيحين " من حديث الزهري ، عن عروة بن المسور ، عن عمرو بن عوف ، فذكر قصة بعث أبي عبيدة إلى البحرين ، وفيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبشروا وأملوا ما يسركم ، فوالله ما الفقر أخشى عليكم ، ولكني أخشى أن تنبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها ، فتهلككم كما أهلكتهم "

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في " الصحيحين " من حديث سفيان الثوري ، عن محمد بن المنكدر ، [ ص: 139 ] عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : : " هل لكم من أنماط؟ " قال : قلت : يا رسول الله ، وأنى يكون لنا أنماط؟ فقال : " أما إنها ستكون لكم أنماط " . قال : فأنا أقول لامرأتي نحي عني أنماطك . فتقول : ألم يقل رسول الله : " أنها ستكون لكم أنماط " ؟ فأتركها

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي " الصحيحين " و " المسانيد " و " السنن " وغيرها من حديث هشام بن عروة ، عن أبيه عن عبد الله بن الزبير ، عن سفيان بن أبي زهير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تفتح اليمن ، فيأتي قوم يبسون ، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ، وتفتح الشام فيأتي قوم يبسون ، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ، وتفتح العراق فيأتي قوم يبسون ، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون " . كذلك رواه عن هشام بن عروة جماعة كثيرون ، وقد أسنده الحافظ بن عساكر من حديث مالك ، وسفيان بن عيينة ، وابن جريج ، وأبي معاوية ، ومالك بن سعير بن الخمس ، وأبي ضمرة أنس بن عياض ، و عبد العزيز بن أبي حازم ، وسلمة بن دينار ، وجرير بن عبد الحميد . ورواه أحمد ، عن يونس ، عن حماد بن زيد عن هشام بن عروة وعبد الرزاق ، عن ابن [ ص: 140 ] جريج ، عن هشام . ومن حديث مالك ، عن هشام به بنحوه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم روى أحمد عن سليمان بن داود الهاشمي ، عن إسماعيل بن جعفر ، أخبرني يزيد بن خصيفة أن بسر بن سعيد أخبره أنه سمع في مجلس الليثيين يذكرون أن سفيان أخبرهم ، فذكر قصة ، وفيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : ويوشك الشام أن يفتتح فيأتيه رجال من هذا البلد - يعني المدينة - فيعجبهم ريفه ورخاؤه ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ، ثم يفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وأخرجه ابن خزيمة من طريق إسماعيل . ورواه الحافظ بن عساكر من حديث أبي ذر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ، وكذا حديث ابن حوالة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ويشهد لذلك : منعت الشام مديها ودينارها ، ومنعت العراق درهمها وقفيزها ، ومنعت مصر إردبها ودينارها ، وعدتم من حيث بدأتم " وهو في [ ص: 141 ] " الصحيح " وكذا حديث المواقيت لأهل الشام واليمن ، وهو في " الصحيحين " ، وعند مسلم ميقات أهل العراق ويشهد لذلك أيضا حديث : " إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله ، عز وجل "

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي " صحيح البخاري " من حديث أبي إدريس الخولاني عن عوف بن مالك ، أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك : " اعدد ستا بين يدي الساعة " فذكر موته ، عليه الصلاة والسلام ، ثم فتح بيت المقدس ، ثم موتانا - وهو الوباء - ثم كثرة المال ، ثم فتنة ، ثم هدنة بين المسلمين والروم . وسيأتي الحديث فيما بعد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي " صحيح مسلم " من حديث عبد الرحمن بن شماسة ، عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : : " إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا ; فإن لهم ذمة ورحما ، فإذا رأيت رجلين يختصمان في موضع لبنة فاخرج منها " قال : فمر بربيعة وعبد الرحمن ابني شرحبيل بن حسنة يختصمان في موضع لبنة ، فخرج منها . يعني ديار مصر على يدي عمرو بن العاص في سنة عشرين ، كما سيأتي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد روى ابن وهب ، عن مالك والليث ، عن الزهري عن ابن لكعب [ ص: 142 ] بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا; فإن لهم ذمة ورحما " رواه البيهقي من حديث إسحق بن راشد ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه . وحكى أحمد بن حنبل ، عن سفيان بن عيينة ، أنه سئل عن قوله " ذمة ورحما " . فقال : من الناس من قال : إن أم إسماعيل هاجر كانت قبطية . ومن الناس من قال : أم إبراهيم . قلت : الصحيح الذي لا شك فيه أنهما قبطيتان ، كما قدمنا ذكر ذلك ومعنى قوله : " ذمة " . يعني بذلك هديةالمقوقس إليه وقبوله ذلك منه ، وذلك نوع ذمام ومهادنة . والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم ما رواه البخاري من حديث محل بن خليفة ، عن عدي بن حاتم في فتح كنوز كسرى وانتشار الأمن وفيضان المال حتى لا يتقبله أحد ، وفي الحديث أن عديا شهد الفتح ، ورأى الظعينة ترتحل من الحيرة إلى مكة لا تخاف إلا الله ، قال : ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم من كثرة المال حتى لا يقبله أحد . قال البيهقي : وقد كان ذلك في زمن عمر بن عبد العزيز . قلت : ويحتمل أن يكون ذلك متأخرا إلى زمن المهدي ، كما جاء في صفته ، أو إلى زمن نزول عيسى بن مريم ، عليه السلام ، بعد قتله الدجال ، فإنه [ ص: 143 ] قد ورد في " الصحيح " أنه يقتل الخنزير ، ويكسر الصليب ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد . والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي " صحيح مسلم " من حديث ابن أبي ذئب ، عن مهاجر بن مسمار ، عن عامر بن سعد ، عن جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يزال هذا الدين قائما ما كان اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ، ثم يخرج كذابون بين يدي الساعة ، وليفتحن عصابة من المسلمين كنز القصر الأبيض قصر كسرى ، وأنا فرطكم على الحوض " الحديث بمعناه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم حديث عبد الرزاق ، عن معمر‏ ، عن همام عن أبي هريرة مرفوعا : " إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله ، عز وجل " أخرجاه وقال البيهقي : المراد زوال ملك قيصر عن الشام ، ولا يبقى كبقاء ملكه على الروم; لقوله ، عليه السلام ، لما عظم كتابه : " ثبت ملكه " . وأما ملك فارس فباد بالكلية لقوله له : " مزق الله ملكه " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد روى أبو داود ، عن محمد بن عبيد ، عن حماد ، عن يونس ، عن الحسن ، أن عمر بن الخطاب - وروينا في طريق أخرى ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه - لما جيء بفروة كسرى وسيفه ومنطقته وتاجه [ ص: 144 ] وسواريه ، ألبس ذلك كله لسراقة بن مالك بن جعشم وقال : قل : الحمد لله الذي ألبس ثياب كسرى لرجل أعرابي من البادية . قال الشافعي : إنما ألبسه ذلك; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسراقة ونظر إلى ذراعيه : " كأني بك قد لبست سواري كسرى " . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال سفيان بن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن عدي بن حاتم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثلت لي الحيرة كأنياب الكلاب ، وإنكم ستفتحونها " . فقام رجل فقال : يا رسول الله ، هب لي ابنة بقيلة . قال " هي لك " . فأعطوه إياها . فجاء أبوها فقال : أتبيعها؟ قال : نعم . قال : فبكم؟ احكم ما شئت . قال ألف درهم . قال : قد أخذتها . فقالوا له : لو قلت ثلاثين ألفا لأخذها . فقال : وهل عدد أكثر من ألف؟ .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، ثنا معاوية ، عن ضمرة بن حبيب ، أن ابن زغب الإيادي حدثه قال : نزل على عبد الله بن حوالة الأزدي فقال لي : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حول المدينة على أقدامنا لنغنم ، فرجعنا ولم نغنم شيئا ، وعرف الجهد في وجوهنا ، فقام فينا فقال : " اللهم لا تكلهم إلي فأضعف ، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها ، ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليهم " . ثم قال : " لتفتحن لكم الشام والروم وفارس - أو : الروم وفارس - وحتى يكون لأحدكم من الإبل كذا وكذا ، ومن البقر كذا وكذا ، ومن الغنم كذا [ ص: 145 ] وكذا ، وحتى يعطى أحدكم مائة دينار فيسخطها " . ثم وضع يده على رأسي أو على هامتي فقال : " يا ابن حوالة ، إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك " ورواه أبو داود من حديث معاوية بن صالح .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أحمد حدثنا حيوة بن شريح ويزيد بن عبد ربه ، قالا : ثنا بقية حدثني بجير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن أبي قتيلة ، عن ابن حوالة ، أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سيصير الأمر إلى أن تكون جنود مجندة; جند بالشام ، وجند باليمن ، وجند بالعراق " . فقال ابن حوالة : خر لي يا رسول الله إن أدركت ذلك . فقال " عليك بالشام; فإنه خيرة الله من أرضه يجتبي إليه خيرته من عباده ، فإن أبيتم فعليكم بيمنكم واسقوا من غدره; فإن الله تكفل لي بالشام وأهله " وهكذا رواه أبو داود ، عن حيوة بن شريح به . وقد رواه أحمد أيضا ، عن عصام بن خالد وعلي بن عياش ، كلاهما عن حريز [ ص: 146 ] بن عثمان ، عن سليمان بن شمير ، عن عبد الله بن حوالة ، فذكر نحوه . ورواه الوليد بن مسلم الدمشقي ، عن سعيد بن عبد العزيز ، عن مكحول وربيعة بن يزيد ، عن أبي إدريس ، عن عبد الله بن حوالة به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البيهقي : أنا أبو الحسين بن الفضل القطان ، أنا عبد الله بن جعفر ، ثنا يعقوب بن سفيان ، ثنا عبد الله بن يوسف ، ثنا يحيى بن حمزة ، حدثني أبو علقمة نصر بن علقمة ، يرد الحديث إلى جبير بن نفير قال : قال عبد الله بن حوالة : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكونا إليه العري والفقر وقلة الشيء ، فقال : " أبشروا ، فوالله لأنا بكثرة الشيء أخوفني عليكم من قلته ، والله لا يزال هذا الأمر فيكم حتى يفتح الله عليكم أرض الشام - أو قال : أرض فارس - وأرض الروم وأرض حمير ، وحتى تكونوا أجنادا ثلاثة; جندا بالشام ، وجندا بالعراق ، وجندا باليمن ، وحتى يعطى الرجل المائة فيسخطها " . قال ابن حوالة : قلت : يا رسول الله ، ومن يستطيع الشام وبه الروم ذوات القرون؟! قال : " والله ليفتحنها الله عليكم ، وليستخلفنكم فيها ، حتى تظل العصابة البيض منهم قمصهم ، الملحمة أقفاؤهم قياما على الرويجل الأسود منكم المحلوق ، ما أمرهم من شيء فعلوه " وذكر الحديث ، قال أبو علقمة : سمعت عبد الرحمن بن جبير [ ص: 147 ] يقول : فعرف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نعت هذا الحديث في جزء بن سهيل السلمي ، وكان على الأعاجم في ذلك الزمان ، فكانوا إذا رجعوا إلى المسجد نظروا إليه وإليهم قياما حوله ، فيتعجبون لنعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وفيهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أحمد : حدثنا حجاج ، ثنا الليث بن سعد ، حدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن ربيعة بن لقيط التجيبي ، عن عبد الله بن حوالة الأزدي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من نجا من ثلاث فقد نجا " . قالوا : ماذا يا رسول الله؟ قال : " موتي ، ومن قتل خليفة مصطبر بالحق يعطيه ، والدجال "

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أحمد : ثنا إسماعيل بن إبراهيم ، ثنا الجريري ، عن عبد الله بن شقيق ، عن عبد الله بن حوالة قال : أتيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل دومة ، وعنده كاتب له يملي عليه ، فقال : ألا نكتبك يا ابن حوالة؟ " قلت : لا أدري ما خار الله لي ورسوله . فأعرض عني وقال إسماعيل مرة في الأولى : " نكتبك يا ابن حوالة؟ " قلت : فيم يا رسول الله؟ [ ص: 148 ] فأعرض عني - وأكب على كاتبه يملي عليه ، ثم قال : " ألا نكتبك يا ابن حوالة؟ " قلت : لا أدري ما خار الله لي ورسوله . فأعرض عني وأكب على كاتبه يملي عليه . قال : فنظرت فإذا في الكتاب عمر ، فقلت : إن عمر لا يكتب إلا في خير . ثم قال : " أنكتبك يا ابن حوالة؟ " قلت : نعم . فقال : " يا ابن حوالة ، كيف تفعل في فتنة تخرج في أطراف الأرض كأنها صياصي بقر؟ " قلت : لا أدري ما خار الله لي ورسوله . قال : " فكيف تفعل في أخرى تخرج بعدها كأن الأولى منها انتفاجة أرنب؟ " قلت : لا أدري ما خار الله لي ورسوله . قال : " اتبعوا هذا " . قال : ورجل مقف حينئذ . قال : فانطلقت فسعيت وأخذت بمنكبه ، فأقبلت بوجهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : هذا؟ قال : " نعم " . قال فإذا هو عثمان بن عفان ، رضي الله عنه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وثبت في " صحيح مسلم " من حديث يحيى بن آدم ، عن زهير بن معاوية ، عن سهل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " منعت العراق درهمها وقفيزها ، ومنعت الشام مديها ودينارها ، ومنعت مصر إردبها ودينارها ، وعدتم من حيث بدأتم ، وعدتم من حيث بدأتم ، وعدتم من حيث بدأتم شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه . قال يحيى بن آدم وغيره من أهل [ ص: 149 ] العلم : هذا من دلائل النبوة; حيث أخبر عما ضربه عمر على أرض العراق من الدراهم والقفزان ، وعما ضرب من الخراج بالشام ومصر ، قبل وجود ذلك ، صلوات الله وسلامه عليه . وقد اختلف الناس في معنى قوله ، عليه الصلاة والسلام : " منعت العراق " . إلى آخره ، فقيل : معناه أنهم يسلمون فيسقط عنهم الخراج . ورجحه البيهقي . وقيل : معناه أنهم يرجعون عن الطاعة ولا يؤدون الخراج المضروب عليهم ، ولهذا قال : " وعدتم من حيث بدأتم " . أي رجعتم إلى ما كنتم عليه قبل ذلك ، كما ثبت في " صحيح مسلم " : " إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا ، فطوبى للغرباء "

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ويؤيد هذا القول ما رواه الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل عن الجريري ، عن أبي نضرة قال : كنا عند جابر بن عبد الله فقال : يوشك أهل العراق أن لا يجيء إليهم قفيز ولا درهم . قلنا : من أين ذاك؟ قال : من قبل العجم ، يمنعون ذلك . ثم قال : يوشك أهل الشام أن لا يجيء إليهم دينار ولا مدي . قلنا : من أين ذاك؟ قال : من قبل الروم ، يمنعون ذاك . قال : ثم سكت هنيهة . ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيا ، لا يعده عدا " . قال الجريري : فقلت لأبي نضرة وأبي العلاء : أتريانه عمر بن عبد العزيز؟ فقالا : لا . وقد رواه مسلم من حديث إسماعيل بن إبراهيم بن علية [ ص: 150 ] وعبد الوهاب الثقفي ، كلاهما عن سعيد بن إياس الجريري ، عن أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة العبدي ، عن جابر كما تقدم . والعجب أن الحافظ أبا بكر البيهقي احتج به على ما رجحه من أحد القولين المتقدمين . وفيما سلكه نظر ، والظاهر خلافه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وثبت في " الصحيحين " من غير وجه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام الجحفة ، ولأهل اليمن يلملم . وفي " صحيح " مسلم عن جابر : ولأهل العراق ذات عرق . فهذا من دلائل النبوة ، حيث أخبر عما وقع من حج أهل الشام واليمن والعراق ، صلوات الله وسلامه عليه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي " الصحيحين " من حديث سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليأتين على الناس زمان يغزو فيه فئام من الناس ، فيقال لهم : هل فيكم من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقال : نعم . فيفتح لهم ، ثم يأتي على الناس زمان يغزو فيه فئام من الناس ، فيقال لهم : هل فيكم من صحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقال : نعم . فيفتح لهم ، ثم يأتي على الناس زمان يغزو فيه فئام من الناس ، فيقال : هل فيكم من صحب من صاحبهم؟ فيقال : نعم . فيفتح لهم "

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 151 ] وثبت في " الصحيحين " من حديث ثور بن زيد ، عن أبي الغيث ، عن أبي هريرة قال : كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه سورة " الجمعة " وآخرين منهم لما يلحقوا بهم [ الجمعة : 3 ] . فقال رجل : من هؤلاء يا رسول الله؟ فوضع يده على سلمان الفارسي وقال : " لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء " وهكذا وقع كما أخبر به ، عليه الصلاة والسلام .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى الحافظ البيهقي من حديث محمد بن عبد الرحمن بن عرق ، عن عبد الله بن بشر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لتفتحن عليكم فارس والروم حتى يكثر الطعام فلا يذكر عليه اسم الله عز وجل "

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى الإمام أحمد والبيهقي وابن عدي وغير واحد ، من حديث أوس بن عبد الله بن بريدة ، عن أخيه سهل ، عن أبيه عبد الله بن بريدة ، عن أبيه بريدة بن الحصيب مرفوعا : " ستبعث بعوث فكن في بعث خراسان ، ثم اسكن مدينة مرو; فإنه بناها ذو القرنين ، ودعا لها بالبركة ، وقال : لا يصيب أهلها سوء " وهذا الحديث يعد من غرائب " المسند " ، ومنهم من يجعله موضوعا . فالله أعلم . وقد تقدم حديث أبي هريرة من جميع طرقه في قتال الترك ، وقد وقع ذلك كما أخبر به سواء بسواء ، وسيقع أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 152 ] وفي " صحيح البخاري " من حديث شعبة ، عن فرات القزاز ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء ، كلما هلك نبي خلفه نبي ، وإنه لا نبي بعدي ، وإنه سيكون خلفاء فيكثرون " . قالوا فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال " فوا ببيعة الأول فالأول ، وأعطوهم حقهم ، فإن الله سائلهم عما استرعاهم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي " صحيح مسلم " من حديث أبي رافع ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما كان نبي إلا كان له حواريون يهدون بهديه ، ويستنون بسنته ، ثم يكون من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون ، ويعملون ما ينكرون "

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى الحافظ البيهقي من حديث عبد الله بن الحارث بن محمد بن حاطب الجمحي ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يكون بعد الأنبياء خلفاء يعملون بكتاب الله ، ويعدلون في عباد الله ، ثم يكون من بعد الخلفاء ملوك يأخذون بالثأر ، ويقتلون الرجال ، ويصطفون الأموال ، فمغير بيده ومغير بلسانه ، ومغير بقلبه وليس وراء ذلك من الإيمان شيء

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 153 ] وقال أبو داود الطيالسي : ثنا جرير بن حازم ، عن ليث ، عن عبد الرحمن بن سابط ، عن أبي ثعلبة الخشني ، عن أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة ، وكائنا خلافة ورحمة ، وكائنا ملكا عضوضا ، وكائنا عزة وجبرية وفسادا في الأمة ، يستحلون الفروج والخمور والحرير ، وينصرون على ذلك ، ويرزقون أبدا حتى يلقوا الله عز وجل " وهذا كله واقع .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه ، والنسائي من حديث سعيد بن جمهان ، عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم تكون ملكا " وفي رواية : " ثم يؤتي الله ملكه من يشاء " وهكذا وقع سواء; فإن أبا بكر ، رضي الله عنه ، كانت خلافته سنتين وأربعة أشهر إلا عشر ليال ، وكانت خلافة عمر عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام ، وخلافة عثمان اثنتي عشرة سنة إلا اثنتي عشر يوما ، وكانت خلافة علي بن أبي طالب خمس سنين إلا شهرين . قلت : وتكميل الثلاثين بخلافة الحسن بن علي نحوا من ستة أشهر ، حتى نزل عنها لمعاوية عام أربعين من الهجرة ، كما سيأتي بيانه وتفصيله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال يعقوب بن سفيان : حدثني محمد بن فضيل ، ثنا مؤمل ، ثنا حماد [ ص: 154 ] بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " خلافة نبوة ثلاثون عاما ثم يؤتي الله الملك من يشاء " فقال معاوية : رضينا بالملك . وهذا الحديث فيه رد صريح على الروافض المنكرين لخلافة الثلاثة ، وعلى النواصب من بني أمية ومن تبعهم من أهل الشام في إنكار خلافة علي بن أبي طالب ، فإن قيل : فما وجه الجمع بين حديث سفينة هذا وبين حديث جابر بن سمرة المتقدم في " صحيح مسلم " : " لا يزال هذا الدين قائما ما كان في الناس اثنا عشر خليفة كلهم من قريش؟ فالجواب : إن من الناس من قال : إن الدين لم يزل قائما حتى ولي اثنا عشر خليفة ، ثم وقع تخبيط بعدهم في زمان بني أمية ، وقال آخرون : بل هذا الحديث فيه بشارة بوجود اثني عشر خليفة عادلا من قريش ، وإن لم يوجدوا على الولاء ، وإنما اتفق وقوع الخلافة المتتابعة بعد النبوة في ثلاثين سنة ، ثم كانت بعد ذلك خلفاء راشدون ، فمنهم عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي ، رضي الله عنه ، وقد نص على خلافته وعدله وكونه من الخلفاء الراشدين غير واحد من الأئمة ، حتى قال أحمد بن حنبل ، رضي الله عنه : ليس قول أحد من التابعين حجة إلا قول عمر بن عبد العزيز . ومنهم من ذكر من هؤلاء المهتدي بأمر الله العباسي ، والمهدي المبشر بوجوده في آخر الزمان منهم أيضا ، بالنص [ ص: 155 ] على كونه من أهل البيت ، واسمه محمد بن عبد الله ، وليس بالمنتظر في سرداب سامراء ; فإن ذاك ليس بموجود بالكلية ، وإنما ينتظره الجهلة من الروافض . وقد تقدم في " الصحيحين " من حديث الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لقد هممت أن أدعو أباك وأخاك وأكتب كتابا; لئلا يقول قائل أو يتمنى متمن " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : : " يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر " وهكذا وقع ، فإن الله ولاه ، وبايعه المؤمنون قاطبة ، كما تقدم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي " صحيح البخاري " أن امرأة قالت : يا رسول الله ، أرأيت إن جئت فلم أجدك؟ - كأنها تعرض بالموت - فقال : " إن لم تجديني فأتيأبا بكر " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وثبت في " الصحيحين " من حديث ابن عمر وأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : بينا أنا نائم رأيتني على قليب ، فنزعت منها ما شاء الله ، ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع منها ذنوبا أو ذنوبين ، وفي نزعه ضعف والله يغفر له ، ثم أخذها ابن الخطاب فاستحالت غربا ، فلم أر عبقريا من الناس يفري فريه ، حتى ضرب الناس بعطن " قال الشافعي ، رحمه الله : رؤيا الأنبياء وحي ، وقوله : " وفي نزعه ضعف " . قصر مدته ، وعجلة موته ، واشتغاله بحرب أهل الردة عن الفتح الذي ناله عمر بن الخطاب في طول مدته . قلت : وهذا فيه البشارة [ ص: 156 ] بولايتهما على الناس ، فوقع كما أخبر سواء ، ولهذا جاء في الحديث الآخر الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان ، من حديث ربعي بن حراش ، عن حذيفة بن اليمان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : اقتدوا باللذين من بعدي; أبي بكر وعمر ، رضي الله عنهما ، وقال الترمذي : حسن . وأخرجه الترمذي من حديث ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . وتقدم من طريق الزهري ، عن رجل ، عن أبي ذر حديث تسبيح الحصا في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم يد أبي بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان . وقوله عليه الصلاة والسلام : " هذه خلافة النبوة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي الصحيح عن أبي موسى قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا فدلى رجليه في القف ، فقلت : لأكونن اليوم بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجلست خلف الباب ، فجاء رجل فقال : افتح . فقلت : من أنت؟ قال : أبو بكر . فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " افتح له وبشره بالجنة " . ثم جاء عمر فقال كذلك ، ثم جاء عثمان فقال : " ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه " . فدخل وهو يقول : الله المستعان

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وثبت في " صحيح البخاري " من حديث سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس قال : صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان ، [ ص: 157 ] فرجف بهم الجبل ، فضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله وقال : " اثبت أحد ، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان "

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال عبد الرزاق : أنا معمر ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد ، أن حراء ارتج وعليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اثبت ، ما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان وقال معمر : قد سمعت قتادة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد روى مسلم عن قتيبة ، عن الداروردي عن ، سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير ، فتحركت الصخرة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اهدأ ، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد " . وهذا من دلائل النبوة; فإن هؤلاء كلهم أصابوا الشهادة ، واختص رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مراتب الرسالة والنبوة ، واختص أبو بكر بأعلى مقامات الصديقية وقد ثبت في الصحيح الشهادة للعشرة بالجنة بل لجميع من شهد بيعة الرضوان عام الحديبية . وكانوا ألفا وأربعمائة ، وقيل : وثلاثمائة . وقيل : خمسمائة . فكلهم استمر على السداد والاستقامة حتى مات ، رضي الله عنهم أجمعين . وثبت في " صحيح البخاري " البشارة [ ص: 158 ] لعكاشة بأنه من أهل الجنة ، فقتل شهيدا يوم اليمامة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي " الصحيحين " من حديث يونس ، عن الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يدخل الجنة من أمتى سبعون ألفا بغير حساب ، تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر " . فقام عكاشة بن محصن الأسدي يجر نمرة عليه ، فقال : يا رسول الله ، ادع الله أن يجعلني منهم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم اجعله منهم " . ثم قام رجل من الأنصار فقال : يا رسول الله ، ادع الله أن يجعلني منهم . فقال : " سبقك بهاعكاشة . وهذا الحديث قد روي من طرق متعددة تفيد القطع ، وسنورده في باب صفة الجنة ، وسنذكر في قتال أهل الردة أن طليحة الأسدي قتل عكاشة بن محصن شهيدا ، رضي الله عنه ، ثم رجع طليحة الأسدي عما كان يدعيه من النبوة وتاب إلى الله عز وجل ، وقدم على أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه ، واعتمر وحسن إسلامه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد ثبت في " الصحيحين " من حديث أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بينا أنا نائم رأيت كأنه وضع في يدي سواران ففظعتهما فأوحي إلي في المنام أن انفخهما ، فنفختهما فطارا ، فأولتهما كذابين يخرجان; صاحب صنعاء ، وصاحب اليمامة " وقد تقدم في الوفود أنه ، عليه الصلاة [ ص: 159 ] والسلام ، قال لمسيلمة حين قدم مع قومه وجعل يقول : إن جعل لي محمد الأمر من بعده اتبعته ، فوقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له : " والله لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه ، ولئن أدبرت ليعقرنك الله ، وإني لأراك الذي أريت فيه ما أريت " . وهكذا وقع; عقره الله وأهانه وكسره وغلبه يوم اليمامة ، كما قتل الأسود العنسي بصنعاء ، على ما سنورده ، إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى البيهقي من حديث مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، عن أنس قال : لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم مسيلمة ، فقال له مسيلمة : أتشهد أني رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " آمنت بالله وبرسله " . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن هذا الرجل أخر لهلكة قومه "

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد ثبت في الحديث الآخر أن مسيلمة كتب بعد ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم; من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ، سلام عليك; أما بعد ، فإني قد أشركت في الأمر معك; فلك المدر ولي الوبر ، ولكن قريشا قوم يعتدون . فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب ، سلام على من اتبع الهدى; أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتقين [ ص: 160 ] وقد جعل الله العاقبة لمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، رضي الله عنهم; لأنهم هم المتقون ، وهم العادلون المؤمنون ، لا من عداهم . وقد وردت الأحاديث المروية من طرق عنه صلى الله عليه وسلم في الإخبار عن الردة التي وقعت في زمن الصديق ، فقاتلهم الصديق بالجنود المحمدية حتى رجعوا إلى دين الله أفواجا ، وعذب ماء الإيمان كما كان ، بعد ما صار أجاجا ، وقد قال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين الآية . [ المائدة : 54 ] .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال المفسرون هم أبو بكر وأصحابه رضي الله عنهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وثبت في " الصحيحين " من حديث عامر الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة في قصة مسارة النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة وإخباره إياها بأن جبريل كان يعارضه بالقرآن في كل عام مرة ، " وأنه عارضني العام مرتين ، وما أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي فبكت ، ثم سارها فأخبرها بأنها سيدة نساء أهل الجنة ، وأنها أول أهله لحوقا به ، فكان كما أخبر . قال البيهقي : واختلفوا في مكث فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل : شهران . وقيل : ثلاثة . وقيل : ستة . وقيل : ثمانية . قال : وأصح الروايات رواية الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : مكثت فاطمة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر . أخرجاه في الصحيحين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية