الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 115 ] إخباره صلى الله عليه وسلم عن غزاة البحر إلى قبرص التي كانت في أيام أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان ، رضي الله عنه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه ، وكانت تحت عبادة بن الصامت ، فدخل عليها يوما فأطعمته ، ثم جلست تفلي رأسه ، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم استيقظ وهو يضحك . قالت : فقلت : ما يضحكك يا رسول الله؟ قال : " ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ، ملوكا على الأسرة " - أو " مثل الملوك على الأسرة " . شك إسحاق - فقلت : يا رسول الله ، ادع الله أن يجعلني منهم . فدعا لها ، ثم وضع رأسه فنام ، ثم استيقظ وهو يضحك . قالت : قلت : ما يضحكك يا رسول الله؟ قال : " ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله " . كما قال في الأولى قالت : قلت يا رسول الله ، ادع الله أن يجعلني منهم . فقال : " أنت من الأولين " . قال : فركبت أم حرام بنت ملحان البحر في زمان معاوية ، فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ، ومسلم عن يحيى بن يحيى ، كلاهما عن مالك به . وأخرجاه في " الصحيحين " من حديث الليث وحماد بن زيد ، كلاهما عن يحيى بن [ ص: 116 ] سعيد ، وعن محمد بن يحيى بن حبان ، عن أنس بن مالك ، عن خالته أم حرام بنت ملحان ، فذكر الحديث ، إلى أن قال : فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازية أول ما ركبوا مع معاوية ، أو أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية بن أبي سفيان ، فلما انصرفوا من غزاتهم قافلين فنزلوا الشام ، فقربت إليها دابة; لتركبها ، فصرعتها فماتت ورواه البخاري من حديث أبي إسحاق الفزاري ، عن زائدة ، عن أبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن ، عن أنس به . وأخرجه أبو داود من حديث معمر ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أخت أم سليم الرميصاء ، وهي أم حرام ، فذكر نحو ما تقدم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البخاري : باب ما قيل في قتال الروم . حدثنا إسحاق بن يزيد الدمشقي ، ثنا يحيى بن حمزة ، حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان ، أن عمير بن الأسود العنسي حدثه أنه أتى عبادة بن الصامت وهو نازل في ساحة حمص ، وهو في بناء له ومعه أم حرام . قال عمير : فحدثتنا أم حرام أنها [ ص: 217 ] سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا " . قالت أم حرام : فقلت : يا رسول الله ، أنا فيهم؟ قال : " أنت فيهم " . قالت : ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم " . قلت : أنا فيهم يا رسول الله؟ قال : " لا " تفرد به البخاري دون أصحاب الكتب الستة . وقد رواه البيهقي في " الدلائل " عن الحاكم ، عن أبي عمرو بن أبي جعفر ، عن الحسن بن سفيان ، عن هشام بن عمار الخطيب ، عن يحيى بن حمزة القاضي به . وهو يشبه معنى الحديث الأول ، وفيه من دلائل النبوة ثلاث; إحداها الإخبار عن الغزوة الأولى في البحر ، وقد كانت في سنة سبع وعشرين مع معاوية بن أبي سفيان ، حين غزا قبرص وهو نائب الشام عن عثمان بن عفان ، وكانت معهم أم حرام بنت ملحان هذه ، صحبة زوجها عبادة بن الصامت ، أحد النقباء ليلة العقبة ، فتوفيت مرجعهم من الغزو; قيل : بالشام . كما تقدم في الرواية عند البخاري . وقال ابن زبر : توفيت بقبرص سنة سبع وعشرين . والغزوة الثانية غزوة قسطنطينية مع أول جيش غزاها ، وكان أميرها يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، وذلك سنة ثنتين وخمسين ، وكان معهم أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري ، فمات هنالك ، رضي الله عنه وأرضاه ، ولم تكن هذه المرأة معهم; لأنها كانت قد توفيت قبل ذلك في الغزوة الأولى . فهذا الحديث فيه ثلاث آيات من دلائل النبوة; الإخبار عن الغزوتين ، والإخبار عن المرأة بأنها من الأولين وليست من الآخرين ، وكذلك وقع كما أخبر صلوات الله وسلامه عليه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية