الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فتح خالد للأنبار ، وتسمى هذه الغزوة ذات العيون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ركب خالد في جيوشه ، فسار حتى انتهى إلى الأنبار وعليها رجل من أعقل الفرس وأسودهم في أنفسهم ، يقال له : شيرزاذ . فأحاط بها خالد وعليها خندق وحوله أعراب من قومهم على دينهم ، واجتمع معهم أهل أرضهم ، فمانعوا خالدا أن يصل إلى الخندق ، فضرب معهم رأسا ، ولما تواجه الفريقان أمر خالد أصحابه فرشقوهم بالنبال حتى فقئوا منهم ألف عين ، فتصايح الناس : ذهبت عيون أهل الأنبار . فسميت هذه الغزوة ذات العيون ، فراسل شيرزاذ خالدا في الصلح ، فاشترط خالد أمورا امتنع شيرزاذ من قبولها ، فتقدم خالد إلى الخندق فاستدعى برذي الأموال من الإبل فذبحها حتى ردم الخندق بها ، وجاز هو وأصحابه فوقها ، فلما رأى شيرزاذ ذلك أجاب إلى الصلح على الشروط التي اشترطها خالد ، وسأله أن يرده إلى مأمنه ، فوفى له خالد بذلك ، [ ص: 527 ] وخرج شيرزاذ من الأنبار وتسلمها خالد ، فنزلها واطمأن بها ، وتعلم الصحابة ممن بها من العرب الكتابة العربية ، وكان أولئك العرب قد تعلموها من عرب قبلهم وهم بنو إياد ، كانوا بها في زمان بخت نصر حين أباح العراق للعرب ، وأنشدوا خالدا قول بعض إياد يمتدح قومه :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قومي إياد لو أنهم أمم أو لو أقاموا فتهزل النعم     قوم لهم باحة العراق إذا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ساروا جميعا واللوح والقلم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم صالح خالد أهل البوازيج وكلواذى . قال : ثم نقض أهل الأنبار ومن حولهم عهدهم لما اضطربت بعض الأحوال ، ولم يبق على عهده سوى البوازيج وبانقيا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال سيف بن عمر عن عبد العزيز بن سياه ، عن حبيب بن أبي ثابت قال : ليس لأحد من أهل السواد عقد قبل الوقعة إلا بني صلوبا ، وهم أهل الحيرة وكلواذى وقرى من قرى الفرات ، حتى غدروا ، حتى دعوا إلى الذمة بعدما غدروا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 528 ] وقال سيف عن محمد بن قيس : قلت للشعبي : أخذ السواد عنوة ؟ قال : نعم ، وكل أرض إلا بعض القلاع والحصون . قال : بعض صالح وبعض غالب . قلت : فهل لأهل السواد ذمة اعتقدوها قبل الهرب ؟ قال : لا ، ولكنهم لما دعوا ورضوا بالخراج ، وأخذ منهم ، صاروا ذمة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية